مواضيع المدونة

أخبار العربية

الخميس، 1 ديسمبر 2011

المحاضرة ( 15 ) من مقرر فقه 6


قال ابن رشد :
(( فصل وأما المسائل المسكوت عنها في هذا الباب المختلف فيها بين فقهاء الأمصار فكثيرة لكن نذكر منها أشهرها لتكون كالقانون للمجتهد النظار )) .
ومن أهم المسائل المسكوت عنها مسألة بيع العين الغائبة.

فالمبيعات على نوعين:  
1- مبيع حاضر مرئي فهذا لا خلاف في بيعه.    
2- مبيع غائب أو متعذر الرؤية.وينقسم إلى:
أ - الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته .
ب _ البيع بالصفة.
ج - البيع عن رؤيا سابقة.
أولاً: الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته:
اختلف العلماء فيه على قولين: 
القول الأول:
لا يصح بيعه وبهذا قال الشعبي والنخعي والحسن والأوزاعي والمالكية وهو الأظهر عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة.
أدلة أصحاب هذا القول:
1- ما روي عن أبي هريرة t حيث قال:” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ“  ([1]).
2- أنه باع ما لم ير ولم يوصف له فلم يصح كبيع النوى في التمر .
3- أنه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم .
4- أنه يؤدي إلى حدوث نزاع بين البائع والمشتري .
القول الثاني:
أنه يصح وله الخيار إذا رآه وهو مذهب أبي حنيفة وقول للشافعية والحنابلة في رواية اختارها شيخ الإسلام .
أدلة أصحاب هذا القول:
1- عموم قول الله تعالى )  وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَاْ  (  ([2])  .
ونوقش وجه الشاهد : بأن الآية مخصوصة بنهيه r عن بيع الغرر.
2- ما روي عن النبي r أنه قال: ”  مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ “ ([3]).
والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح.
ونوقش : بأن الحديث ضعيف قال عنه الدار قطني والبيهقي :المعروف أن هذا من قول ابن سرين.
ونقل النووي اتفاق المحدثين على تضعيفه.
3- ما روي عن عثمان وطلحة رضي الله عنهما أنهما تبايعا داريهما بالكوفة والأخرى بالمدينة فقيل لعثمان:إنك قد غبنت فقال ما أبالي لأني بعت ما لم أره وقيل لطلحة فقال لي الخيار لأنني اشتريت ما لم أره فتحاكما إلى جبير فجعل الخيار لطلحة([4]). وهذا اتفاق منهم على صحة البيع.
ونوقش : بأنه يحتمل أنهما تبايعا بالصفة على أنه قول صحابي وفي كونه حجة خلاف ولا يعارض به حديث رسول الله r.
4- أنه عقد معاوضة فلم تفتقر صحته إلى رؤية المعقود عليه كالنكاح. 
 ونوقش : بأن النكاح لا يقصد منه المعاوضة ولا يفسد بفساد العوض ولا بترك ذكره ولا يدخله شيء من الخيارات على أن الصفات التي تعلم بالرؤية ليست هي المقصودة بالنكاح فلا يضر الجهل بها بخلاف البيع. 
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم أنه لا يصح بيع الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته .
ثمرة الخلاف :
نماء هذا المبيع بعد العقد وقبل الرؤية يكون لمن ؟
التفريع:
إذا ثبت أن الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته لا يصح بيعه فإنه يشترط معرفة ما هو مقصود بالبيع وطرق العلم به متعددة منها : الرؤية، والسمع، والشم، والذوق، واللمس .
فالرؤية فيما يكون الغرض منه رؤيته، والسمع فيما يكون الغرض منه سماعه، والشم فيما يكون الغرض منه ريحه، والذوق فيما يكون الغرض منه طعمه، واللمس فيما يكون الغرض منه ملمسه، هل هو لين أو خشن؟ أو ما أشبه ذلك. فكل شيء بحسبه
فلو باع ثوباً مطوياً أو عيناً حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب .  
وعلى القول بالصحة فللمشتري الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ والإمضاء .
ويكون على الفور فإن اختار الفسخ فله ذلك وإن لم يفسخ لزم العقد.    
لأن الخيار خيار الرؤية فوجب أن يكون عندها.     
وقيل: يتقيد بالمجلس الذي وجدت الرؤية فيه.
لأنه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط فتقيد بالمجلس كخيار المجلس.
وإن اختار الفسخ قبل الرؤية انفسخ.
لأن العقد غير لازم في حقه فملك الفسخ كحالة الرؤية.     
وإن اختار إمضاء العقد لم يلزم .
لأن الخيار يتعلق بالرؤية.
ولأنه يؤدي إلى إلزام العقد على المجهول فيفضي إلى الضرر.
ثانياً:البيع بالصفة:
إذا وصف المبيع للمشتري فذكر له من صفاته ما يكفي في صحة السلم أي أن المبيع لا بد أن يكون مما يمكن انضباطه بالصفة .
اختلف الفقهاء على قولين:
القول الأول:
صح بيعه وهو قول أكثر أهل العلم.     
تعليل أصحاب هذا القول:
أنه بيع بالصفة فصح كالسلم .
القول الثاني:
لا يصح حتى يراه وهو رواية عند الحنابلة.   
تعليل أصحاب هذا القول :
أن الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع فلم يصح البيع بها كالذي لا يصح السلم فيه .
ونوقش :بأنه لا يسلم أنه لا تحصل به معرفة المبيع فإنها تحصل بالصفات الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهراً وهذا يكفي بدليل أنه يكفي في السلم.
وأنه لا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية.
وأما ما لا يصح السلم فيه فلا يصح بيعه بالصفة لأنه لا يمكن ضبطه بها.
التفريع:

إذا وجد المبيع على الصفة فهل له الفسخ ؟

اختلف أصحاب القول الأول على قولين:
القول الأول:
ليس له الفسخ. وهو قول المالكية ووجه عند الشافعية وقول الحنابلة .
تعليل أصحاب هذا القول:
1- أنه سلم له المعقود عليه بصفاته فلم يكن له الخيار كالمسلم فيه.
2- أنه مبيع موصوف فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال كالسلم.
القول الثاني:
له الخيار بكل حال وهو قول الحنفية والأصح عند الشافعية.
تعليل أصحاب القول الثاني:
1- أنه يسمى ببيع خيار الرؤية .
قال ابن قدامة: إن قولهم إنه يسمى بيع خيار الرؤية لا نعرف صحته فإن ثبت فيحتمل أن يسميه من يرى ثبوت الخيار ولا يحتج به على غيره.
2- أن الرؤية من تمام العقد فأشبه غير الموصوف.
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم أنه ليس له الفسخ . لأن الوصف قام مقام الرؤية وقد تم العقد بينهما بالإيجاب والقبول وقد وجد المبيع على الصفة السابقة .
أما إن وجده بخلاف الصفة :
فله الخيار ويسمى خيار الخلف في الصفة .    
لأنه وجد الموصوف بخلاف الصفة فلم يلزمه كالسلم .

ثالثاً: البيع عن رؤيا سابقة:
إذا رأيا المبيع ثم عقدا البيع بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه.
اختلف الفقهاء فيه على قولين:
القول الأول:
أن البيع صحيح وهو قول أكثر أهل العلم.
تعليل أصحاب هذا القول :
أنه معلوم عندهما فأشبه ما لو شاهداه حال العقد.
القول الثاني:
أنه لا يصح حتى يرياها حالة العقد .وهو رواية عند الحنابلة.
تعليل أصحاب هذا القول :
أن ما كان شرطاً في صحة العقد يجب أن يكون موجوداً حال العقد كالشهادة في النكاح.
ونوقش :بأن الشرط إنما هو العلم والرؤية طريق للعلم ولهذا اكتفى بالصفة المحصلة للعلم،وقد حصل العلم بالرؤيا المتقدمة .والشهادة في النكاح تراد لحِلِّ العقد والاستيثاق عليه فلهذا اشترطت حال العقد.
قال ابن قدامة: ويقرر ما ذكرناه ما لو رأيا دراً ووقفا في بيت منها، أو أرضاً ووقفا في طريقها وتبايعاها صح بلا خلاف مع عدم المشاهدة للكل في الحال.
ولو كانت الرؤية المشروطة للبيع مشروطة حال العقد لاشترط رؤية جميعه.
التفريع:
ومتى وجد المبيع بحاله لم يتغير :
لزم البيع ؛ لأنه ليس ببيع غائب.
وإن كان ناقصاً :
ثبت له الخيار ؛ لأن ذلك كحدوث العيب .
فأما إن عقد البيع بعد رؤية المبيع بمدة يتحقق فيها فساد المبيع.كشراء الفواكه.
لم يصح البيع ؛ لأنه مما لا يصح بيعه.
وإن لم يتغير فيها:  لم يصح بيعه ؛ لأنه مجهول 
فأما إن كان يحتمل التغير وعدمه وليس الظاهر تغيره.كشراء الحيوان.
صح بيعه ؛ لأن الأصل السلامة ولم يعارضه ظاهر فصح بيعه كما لو كانت الغيبة يسيرة.


([1]) رواه مسلم                 
([2]) سورة البقرة الآية (275) .
([3]) روى الحديث مسنداً ومرسلاً.
رواه ابن أبي شيبه ،والدار قطني ، والبيهقي . 
([4]) رواه البيهقي وقال النووي بإسناد حسن.                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق