مواضيع المدونة

أخبار العربية

الخميس، 12 أبريل 2012

علة الربا عند المالكية


مذهب المالكية :
علة تحريم ربا الفضل في الأعيان الأربعة هي : الجنس الواحد من المقتات المدخر وما في معناه مما يصلح القوت .
والقوت : هو ما يبني عليه الآدمي بدنه من أصول الأطعمة؛ كالأرز واللحم.

والمدخر([1]) : هو ما يدخر إلى الأمد المبتغى منه عادة ، ولا يفسد بالتأخير ، كما يكون هذا في البر ونحوه ، بخلاف الفواكه ونحوها فإنه لا يدخل في هذا ولا حد له على ظاهر المذهب وإنما المرجع فيه إلى العرق .
وفي معنى الاقتيات إصلاح القوت كملح ونحوه .
وعلة تحريم ربا النسيئة في الأعيان الأربعة هي : المطعومية على غير جهة التداوي في المطعومات أو اتفاق الأغراض والمنافع .
والعلة في الذهب والفضة هي : غلبة الثمنية وهو المشهور أو مطلق الثمنية وهو خلاف المشهور.
والمراد بغلبة الثمنية أي كونها أصول الأثمان غالباً فلا تدخل الفلوس ([2]).
والمراد بمطلق الثمنية أي مطلق التعامل من غير اعتبار الغلبة .وعليه فيدخل الربا في الفلوس.
فإذا اتفقا – الذهب والفضة - منع التفاضل وإذا اختلفا منع النساء.
وعليه فإن ربا الفضل لا يجري في غير المطعومات التي لا تقتات ولا تُدخر . فحرموا ربا الفضل في كل ما كان قوتاً مدخراً , ونفوه عما ليس بقوت كالفواكه , وعما هو قوت لا يدخر كاللحم , وفي معنى الاقتيات عندهم : ما يصلح القوت كالملح والتوابل .
ومما يدل على أن العلة هي : الجنس الواحد من المقتات المدخر وما في معناه مما يصلح للأقوات ما يأتي :
1- أنه لو أراد النبي r الطعم وحده لاكتفى بالتنبيه على ذلك بالنص على واحد من تلك الأصناف الأربعة . فعُلم أنه قصد بكل واحد منها التنبيه على ما في معناه من الأقـوات الأخرى المدخرة : فالبر لأنواع الحبوب التي للإنسان. والشعير لأنواع الحبوب التي تكون علفاً للدواب وقد يقتات وقت الضرورة. والتمر لأنواع الحلوى كالزبيب والعسل. والملح لأنواع التوابل .
2- أنه لما كانت الغاية من منع الربا إنما هي أن لا يغبن بعض الناس بعضاً وأن تحفظ أموالهم فواجب أن يكون ذلك في أصول المعايش وهي الأقوات .
3-  أن الثمنية هي الوصف في الذهب والفضة فهما أثمان المبيعات وقِيَم المتلفات ولا يشاركهما في ذلك غيرهما ([3]).
4- أنه لو كانت العلة في الأثمان الوزن لم يجز إسلامهما في الموزونات ؛ لأن أحد وصفي علة ربا الفضل يكفي في تحريم النَّسَاء .
الخلاصة :
عند المالكية: الاقتيات والادخار وما في معناه مما يصلح القوت مع اتحاد الجنس يمنعان الفضل والنسيئة،ووجود الطعم وحده يمنع النَّسَاء مطلقاً وكذلك ما اتفق صنفه ومنفعته من غير المطعومات مثال ذلك الشاة الحلوبة بالشاة الحلوبة والبقرة الأكولة بالبقرة الأكولة والصقر الصائد المعلم بالصقر الصائد المعلم.وبعبارة أخرى : اتفاق الأغراض والمنافع واختلافها .
والعلة في الذهب والفضة هي : الثمنية فإذا اتفقا منع التفاضل وإذا اختلفا منع النساء.
قال ابن عبد البر في كتاب الكافي " ... وجملة مذهب مالك وأصحابه في كل مأكول ومشروب من جميع الأشياء أنها تنقسم عندهم على ثلاثة أقسام هي ثلاثة أنواع كل قسم منها نوع:
فالنوع الأول : ما الأغلب منه في كل موضع يكون فيه الادخار والاقتيات كالحنطة والشعير والدخن والأرز ... وسائر ما يدخر فيبقى ويتخذ قوتا في الأغلب وعند الحاجة إليه ويتلذذ بأكله وينقسم هذا النوع قسمين :
أحدهما: لا يؤكل رطبا إلا اليسير منه الذي لا حكم له كأخضر الفول وما أشبه ذلك. ومنه ما يؤكل رطباً ويابساً ويبقى كثيراً ويصير قوتا عند الحاجة إليه كالزبيب والتمر والتين فإنها قد تكون في بعض البلدان قوتاً لأهلها ولمن تحمل إليه...
فهذا كله حكم البر والشعير والتمر من أنه لا يجوز فيه التفاضل في الجنس الواحد ولا يجوز منه الرطب باليابس وإذا اختلف الجنسان من هذا النوع جاز فيهما التفاضل وجاز بيع الرطب منهما باليابس من الآخر ولم يجز في شيء من ذلك التأخير والنظرة ولا أن يفارقه حتى يقبض منه كالصرف.
والنوع الثاني :الأغلب عليه الفساد إذا يبس ولا حكم ليابسه لأن الذي يبس منه يبقى قدر يسير وقليل من كثير مثل الموز والرمان ونحو ذلك وأكثر ما يؤكل هذا كله رطبا فيعد عدا دون الأول ولا يدخر منه إلا الأقل الحقير وإنما يوكل تفكها وشهوة فهذا يوافق النوع الأول ويجامعه في دخول الربا منه في النظرة دون التفاضل ويخالفه في أنه يجوز بيع بعضه ببعض من جنس واحد متفاضلاً يداً بيد فلا يدخل الربا في هذا النوع في الجنس الواحد وفي الجنسين إلا من وجه واحد وهو النسيئة فقط فإن دخل شيء منه النسيئة حرم ودخله الربا.
والنوع الثالث : ما يؤكل ويشرب على تكره وعلى غير شهوة ولا تلذذ في الأغلب وإنما يؤكل ويشرب على وجه العلاج عند العلل العارضة من الأدوية كلها فهذا النوع وإن كان مأكولاً فإنه يجري مجرى العروض ومجرى ما لا يؤكل ولا يشرب في جميع أحكامه لمخالفته المعنى الأغلب في المآكل والمشارب.
التطبيق على العلة عند المالكية :
س1/ ما الحكم في بيع الطعام الذي يغلب فيه الاقتيات والادخار ؟
الجواب : لا يجوز فيه التفاضل في الجنس الواحد ولا يجوز منه الرطب باليابس وإذا اختلف الجنسان من هذا النوع جاز فيهما التفاضل وجاز بيع الرطب منهما باليابس من الآخر ولم يجز في شيء من ذلك التأخير ولا أن يفارقه حتى يقبض منه كالصرف وهذا النوع يدخله الربا في الجنس الواحد من وجهين وهما التفاضل والنسيئة وإذا كانا جنسين لم يدخلهما الربا إلا في النسيئة خاصة دون التفاضل.
2س/ هل يعتبر العسل والمربى من الربويات ؟
الجواب : قال ابن عبد البر : وذهب مالك وأهل المدينة وأكبر العلماء إلى أن العمل في الطعام إذا بيع بعضه ببعض كالعمل في الذهب والورق سواء يدا بيد ومن هذا النوع الآدام كله مثل الزيت والخل والعسل والمربى وما أشبه ذلك وأصل ذلك الملح لأنه أدام لا قوت وقد نص عليه في حديث عبادة .
3س/ هل تعتبر الأدوية من الربويات ؟
الجواب : قال ابن عبد البر : ما يؤكل ويشرب على تكره وعلى غير شهوة ولا تلذذ في الأغلب وإنما يؤكل ويشرب على وجه العلاج عند العلل العارضة من الأدوية كلها فهذا النوع وإن كان مأكولا فإنه يجري مجرى العروض ومجرى ما لا يؤكل ولا يشرب في جميع أحكامه لمخالفته المعنى الأغلب في المآكل والمشارب فيجوز عند مالك بيع بعضه ببعض مثلاً بمثل ومتفاضلاً يداً بيد وإذا دخله الأجل جاز ذلك في الجنس الواحد على المماثلة وجازت النسيئة والتفاضل منه في الجنسين المختلفين كسائر العروض إذا اختلفت الأغراض والمنافع .
4س/ متى يمنع بيع المأكول الربوي بجنسه متساوياً ؟
الجواب : قال ابن عبد البر : من المأكول ما لا يجوز منه الشيء بمثله من جنسه، وذلك إذا كان أحدهما رطباً والآخر يابساً لأنهما وإن كانا جنساً واحداً فالمماثلة معدومة بينهما في الحال وبعدها إذا كانت حال أحدهما منتقلة غير مستقرة وبانتقالها تعدم المماثلة ويقع التفاضل المنهي عنه لما روي أن رسول الله  r  نهى عن الرطب بالتمر لأنه ينقص إذا يبس.
5س/ هل يعتبر الطعام الذي يقل فيه الاقتيات والادخار من الربويات ؟
الجواب : إذا كان الأغلب عليه الفساد إذا يبس،كالموز والرمان ونحو ذلك مما يأكل رطبا، فهذا يجري فيه ربا النسيئة ،ويجوز بيع بعضه ببعض من جنس واحد متفاضلاً يداً بيد .
فالفواكه كلها أصناف مختلفة باختلاف أسمائها وطعومها وألوانها ولا بأس بالجنس منها بعضه ببعض متفاضلاً بعضه خوخه بخوختين ورمانة برمانتين وتفاحة بتفاحتين يداً بيد وإذا جاز التفاضل في الجنس الواحد فأحرى أن يجوز في الجنسين وذلك كله يدا بيد ولا بأس ببيع الفواكه كلها رطباً ويابساً متفاضلة ومتماثلة جنساً واحداً كانت أو جنسين يداً بيد ولا يجوز فيها النسيئة بحال.
س6/ هل يصح بيع مطعوم بمطعوم نسيئة ؟
الجواب : يحرم بيع مطعوم بمطعوم نسيئة على غير حهة التداوي سواء كان ربوياً أو غير ربوي وسواء كان متفقاً في جنسه أو مختلفاً فلا يجوز التأخير في شيء من ذلك كله ويجب أن يكون يداً بيد.
س7/ متى يجوز بيع الذهب بالورق ؟
يجوز بيع الذهب بالورق كيف شاء المتبايعان إذا كان يداً بيد؛ لأنهما جنسان ولا يدخل ربا الفضل في الجنسين .
س8/ هل يصح الثوب بثوبين من جنسه إلى أجل ؟
الجواب : قال ابن عبد البر : لا يجوز عند مالك بيع الثوب عاجلاً بثوبين من جنسه إلى أجل، وبثوب مثله إلى أجل.


([1]) قال ابن رشد :ومن شرط الادخار عندهم أن يكون في الأكثر وقال بعض أصحابه الربا في الصنف المدخر وإن كان نادر الادخار
([2])الفلوس لغة : جمع فَلْسٍ للكثرة , أما جمع القلة فهو : أَفْلُسُ وبائعها فَلَّاسٌ , وأفلس الرجل : إذا صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم , فكأنما صارت دراهمه فلوساً وزيوفا , وفلسه القاضي تفليسا : حكم بإفلاسه .
وفي الاصطلاح : كل ما يتخذه الناس ثمنا من سائر المعادن عدا الذهب والفضة .
واختلف الفقهاء في ربوية الفلوس على ثلاثة أقوال
القول الأول : وهو الأصح عند الشافعية , والصحيح عند الحنابلة , وهو قول الشيخين من الحنفية , وقول عند المالكية : أنها ليست أثمانا ربوية وأنها كالعروض . 
و القول الثاني : قول محمد من الحنفية , وقول عند المالكية , ومقابل الأصح عند الشافعية , ومقابل الصحيح عند الحنابلة : أنها ربوية وهي كالنقود .
القول الثالث : وهو قول للمالكية : أنها وسط بين العروض والنقود , فهي كالنقد في نحو الصرف والربا , وهي كالعروض في غير ذلك.
أما إذا كانت الفلوس كاسدة غير رائجة فهي عروض باتفاق .
([3]) وهذه العلة تسمى عند الأصوليين بالعلة القاصرة.
وقد اعترض عليهم المخالفون بأنه تعليل بالعلة القاصرة والعلة القاصرة لا تفيد فالأولى التعليل بعلة متعدية حتى يمكن نقل الحكم .
فأجابوا بجوابين:
1- لا نسلم أن العلة القاصرة لا فائدة فيها .والفائدة هنا :أننا إذا عللنا بعلة قاصرة علمنا أن هذا الحكم مختص بها فلا نبحث عنه في غيرها.
2- لأنه يمكن أن توجد أشياء بعد ذلك تشاركها في هذا الوصف فتأخذ حكمها .وهذا هو الواقع الآن في العملات الورقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق