مواضيع المدونة

أخبار العربية

الأحد، 8 أبريل 2012

حكم الإقالة


تعريف الإقالة :
الإقالة في اللغة : الرفع والإزالة ، ومن ذلك قولهم : أقال الله عثرته إذا رفعه من سقوطه. ومنه الإقالة في البيع ، لأنها رفع العقد.
الإقالة في اصطلاح الفقهاء : رفع العقد ، وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين .

فالإقالة: هي أن يرضى أحد المتبايعين بفسخ العقد إذا طالبه صاحبه بدون سبب، أي: لا يُلزمه بالعقد ويفسخه.
وحكمها التكليفي: أنها سنة في حق المقيل، ومباحة في حق المستقيل، أي: لا بأس أن تطلب من صاحبك أن يقيلك، سواء كنت البائع أو المشتري، أما في حق المقيل فهي سنة لما فيها من الإحسان إلى الغير، وقد قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ ([1]).
ولأن فيها إدخال سرور على المُقال وتفريجاً لكربته، لا سيما إذا كان الشيء كثيراً وكبيراً، فتكون داخلة في قول الرسول r مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ([2]) .
حقيقة الإقالة :
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حقيقة الإقالة هل هي بيع أو فسخ ([3]) على ثلاثة أقوال :
القول الأول:
أنها فسخ ينحل به العقد في حق العاقدين وغيرهما ، وهو قول الشافعية والمذهب عند الحنابلة وقول زفر ومحمد بن الحسن من الحنفية .

دليل أصحاب هذا القول :
1- أن الإقالة في اللغة عبارة عن الرفع ، يقال في الدعاء : اللهم أقلني عثراتي ، أي ارفعها، والأصل أن معنى التصرف شرعاً ما ينبئ عنه اللفظ لغة ، ورفع العقد فسخه.
2- أن البيع والإقالة اختلفا اسماً ، فتخالفا حكماً ، فإذا كانت رفعاً لا تكون بيعاً ، لأن البيع إثبات والرفع نفي ، وبينهما تناف ، فكانت الإقالة على هذا التقدير فسخاً محضاً.
القول الثاني:
أنها بيع في حق العاقدين وغيرهما ، إلا إذا تعذر جعلها بيعا فإنها تكون فسخاً ، وهذا قول المالكية وأبي يوسف من الحنفية . ومن أمثلة ذلك أن تقع الإقالة في الطعام قبل قبضه .
دليل أصحاب هذا القول :
أن معنى البيع هو مبادلة المال بالمال ، وهو أخذ بدل وإعطاء بدل ، وقد وجد ، فكانت الإقالة بيعاً لوجود معنى البيع فيها ، والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني.
القول الثالث:
أنها فسخ في حق العاقدين بيع في حق غيرهما ، وهو قول أبي حنيفة .
دليل أصحاب هذا القول :
أن الإقالة تنبئ عن الفسخ والإزالة ، فلا تحتمل معنى آخر نفيا للاشتراك ، والأصل العمل بحقيقة اللفظ ، وإنما جعل بيعا في حق غير العاقدين ، لأن فيها نقل ملك بإيجاب وقبول بعوض مالي ، فجعلت بيعا في حق غير العاقدين محافظة على حقه من الإسقاط ، إذ لا يملك العاقدان إسقاط حق غيرهما.
 القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول بأن الإقالة فسخ .
التفريع على القول بأن الإقالة فسخ :
أولاً : تجوز الإقالة قبل قبض المبيع ولو كان المبيع مكيلاً أو موزوناً، فلو باع شخص على آخر كيساً من البر، كل صاع بدرهم، فإنه لا يجوز أن يبيعه على أحد ولا على بائعه نفسه حتى يقبضه بالكيل، لكن لو استقال من البيعة وأقاله البائع صح؛ لأنها ليست بيعاً؛ بل هي فسخ، أي إلغاء للعقد الأول فيرد ما كان على ما كان عليه، ولو قلنا: هي بيع ما
جاز أن يقيله حتى يقبضه ويستوفيه.
ثانياً : أن تكون الإقالة بمثل الثمن، فلا تجوز بزيادة ولا نقص ولا اختلاف نوع أو اختلاف جنس .
مثال ذلك: اشترى هذه السيارة بمائة دينار ثم ندم المشتري، وقال للبائع: أقلني، فقال: أقيلك بشرط أن تعطيني بدل الدنانير دراهم، فالإقالة هنا لا تصح؛ لأنه أقاله بغير مثل الثمن، أي بنوع آخر؛ إذ إنها انتقلت من الفسخ إلى المعاوضة والمصارفة.
مثال آخر: اشترى هذه السيارة بخمسين ألفاً ثم عاد إلى البائع وقال: أقلني، فقال: أقيلك بشرط أن تعطيني خمسة آلاف ريال فهذا لا يجوز؛ لأنها زادت على الثمن الآن، فسوف تصير القيمة خمسة وخمسين ألفاً فلا تصح، قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: لأنها تشبه العينة، حيث ربح البائع على المشتري.
وكذلك ـ أيضاً ـ لو أن البائع طلب من المشتري الإقالة فقال: أقيلك على أن تعطيني كذا وكذا زيادة على الثمن فإنه لا يجوز؛ لأنها تشبه العينة حيث زيد على الثمن.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :" ولكن القول الراجح أنها تجوز بأقل وأكثر إذا كان من جنس الثمن؛ لأن محذور الربا في هذا بعيد فليست كمسألة العينة؛ لأن مسألة العينة محذور الربا فيها قريب، أما هذه فبعيد، وقد قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في «القواعد»: إن للإمام أحمد رواية تدل على جواز ذلك،حيث استدل ببيع العربون الوارد عن عمر t، وقال: الإقالة بعوض مثله، وعليه فيكون هناك رواية أومأ إليها الإمام أحمد بجواز الزيادة على الثمن والنقص منه، وهذا هو القول الراجح، وهو الذي عليه عمل الناس، وهو من مصلحة الجميع؛ وذلك لأن البائع إذا أقال المشتري، فإن الناس سوف يتكلمون ويقولون: لولا أن السلعة فيها عيب ما ردها المشتري، فيأخذ البائع عوضاً زائداً على الثمن من أجل جبر هذا النقص " .
الإقالة في الصرف :
الإقالة في الصرف كالإقالة في البيع ، أي يشترط فيها التقابض من الجانبين قبل الافتراق كما في ابتداء عقد الصرف . فلو تقايلا الصرف ، وتقابضا قبل الافتراق ، مضت الإقالة على الصحة . وإن افترقا قبل التقابض بطلت الإقالة ، سواء اعتبرت بيعاً أم فسخاً .


([1]) رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وصححه ابن دقيق العيد وابن حزم .
([2]) رواه مسلم .
([3]) فائدة قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
عندنا ثلاثة أمور: إبطال وفسخ وعقد، والفرق أنه إذا قلنا: إنها إبطال صار معناه أن العقد الأول بطل، وإذا قلنا: إنها فسخ صار العقد الأول ثابتاً ويكون الفسخ من حين الإقالة، وعلى هذا فما حصل من نماء بين الإقالة والعقد يكون للمشتري، وما حصل من عيب يكون على المشتري، وإذا قلنا: إنها عقد، ترتب عليها شروط البيع، فكأنها تكون بيعاً جديداً، وإذا كانت بيعاً جديداً فلا بد أن تراعى شروط البيع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق