مواضيع المدونة

أخبار العربية

الجمعة، 16 مارس 2012

خيار العيب ( 2 )


الاختلاف في الثمن بعد رد المبيع .
اختلف الفقهاء رحمهم الله فيما إذا اختلفا المتبايعان في الثمن بعد رد المبيع بالعيب ، فهل القول قول البائع أو قول المشتري اختلفوا على قولين :

القول الأول :
إن القول قول البائع وهو مقتضى قول الحنفية ([1]) والمالكية والأصح عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة.
أدلة أصحاب هذا القول :
1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : ” إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَتَارَكَانِ “ . ([2])
وجه الدلالة : أنه مُنكِر لما يدعيه المشتري بعد انفساخ العقد ، فأشبه ما لو اختلفا في القبض .
2- أنه الغارم كما لو اختلفا في الثمن بعد الإقالة .
3- أن القول في الدعاوى قول من الظاهر معه ،والظاهر مع البائع ؛ لأنه يثبت له في ذمة المشتري ما انعقد عليه العقد غير معيب فهو أولى .
القول الثاني :
أنهما يتحالفان وتبقى السلعة في يد المشتري ، وله الأرش على البائع من القدر المتفق عليه وهو وجه عند الشافعية .
دليل أصحاب هذا القول :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ t أَنَّ النَّبِيَّ r  قَالَ:” إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ , وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ , وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا تَحَالَفَا “ ([3]) وجه الدلالة : أن الحديث أثبت التحالف في حالة الخلاف بين البائع والمشتري .
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم :هو القول بأن القول قول البائع .
حكم رجوع المشتري بالأرش إذا علم بالعيب بعد بيع السلعة .
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم رجوع المشتري بالأرش إذا علم بالعيب بعد بيع السلعة على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
إن له الرجوع على البائع ، وهو قول للما لكية وقول عند الشافعية ، والمذهب عند الحنابلة .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- ليستدرك به نقص العيب .
2- أنه غير متمكن من الرد في الحال ، فهو كما لو مات العبد أو أعتقه .
3- أن البائع لم يُوَفِّه ما أوجبه له العقد .
5- أن الأرش عوض الجزء الفائت من المبيع ، فلم يسقط ببيعه .
القول الثاني :
إنه ليس له المطالبة بالأرش وهو قول الحنفية وقول المالكية والمشهور عند الشافعية ورواية عند الحنابلة .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- أنه لم ييأس من الرد ؛ لأنه قد يرجع إليه فيرد عليه .
2- أنه اسْتَدْرَكَ ظُّلَامَةَ العيب بما حصل له من سلامة العوض .
3- أنه رَوَّجَ المعيب كما رُوِّجَ عليه .
ونوقش : بأن ظُلامَتَه من البائع ولم يستدركها منه ، وإنما ظُلِمَ المشتري فلم يسقـط حقه بذلك من الظالم له .
القول الثالث:
إنه إذا كان نقص من ثمنه لأجل عيبه،فله الرجوع على البائع،وهو وقول للمالكية.
دليل أصحاب هذا القول :
أنه ظن أن العيب قد حدث عنده ، ثم علم بأنه كان قديماً عند بائعه .
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول بأن له الرجوع على البائع ؛ لأن المشتري دفع الثمن كاملاً على أساس أن يسلم له المبيع سالماً من العيوب ، فإذا ثبت وجود عيب في المبيع فإن له أرش النقص .
حكم ثبوت الرد إذا تلف بعض السلعة بسبب عيب قديم عند البائع.
اختلف الفقهاء رحمهم الله في من اشترى عبداً ، فبان أنه قد سرق قبل القبض  فقطعت يده بعد القبض ، فهل يثبت له الرد ؟ اختلفوا على قولين :
القول الأول :
إنه إذا اشترى عبداً ، فبان أنه قد سرق قبل القبض  فقطعت يده بعد القبض ، فإنه يثبت له الرد ، وهو قول أبي حنيفة ، والمالكية ، والأصح عند الشافعية ، ورواية عند الحنابلة ، اختارها المرداوي .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- أنه قطع بسبب كان قبل القبض ، فصار كما لو قطع قبل القبض .
2- أن سبب وجوب القطع في يد البائع ، والوجوب يفضي إلى الوجود ، فيكون الوجود مضافاً إلى السبب السابق ، وصار كما إذا قُتل المغصوب أو قُطع بعد الرد بجناية وجدت في يد الغاصب .
القول الآخر:
إنه ليس له الرد ، بل له الأرش فقط وهو وجه عند الشافعية ،والمذهب عند الحنابلة ، وقول أبي يوسف ومحمد بن الحسن .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- أن القطع وجد في يد المشتري ، فلم يرد كما لو لم يستند إلى سبب قبله .
2- أن استحقاق القطع دون حقيقته .
3- أن الموجود في يد البائع سبب القطع ، وأنه لا ينافي المالية فنفذ العقد فيه ، لكنه متعيب فيرجع بنقصانه عند تعذر رده وصار كما إذا اشترى جارية حاملاً فماتت في يده بالولادة ، فإنه يرجع بفضل ما بين قيمتها حاملاً إلى غير حامل .
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم :هو القول بأنه يثبت له الرد ؛ لأن القطع عيب في المبيع وسببه كان قبل العقد .




حكم رجوع المشتري بالثمن إذا قتل العبد بعد القبض .
اختلف الفقهاء رحمهم الله في من اشترى عبداً ، فبان أنه قد قتل أو ارتد قبل القبض  فقتل بعد القبض ، فهل له الرجوع بالثمن على البائع ؟ اختلفوا على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
إنه إذ كان جاهلاً بحاله انفسخ البيع ورجع بالثمن على البائع ، وإن كان عالماً أو تبين له بعد الشراء ولم يرد ، فليس له شيء ، وهو رواية عن أبي حنيفة ، وقول المالكية ،والأصح عند الشافعية .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- أنه دخل في العقد على بصيرة أو أمسكه مع العلم بحاله .
2- أنه كالمستحق مع الجهل بحاله ، وكالعيب مع العلم بحاله .
القول الثاني :
إن وجود القتل بمنزلة الاستحقاق ([4]) ، فينفسخ البيع ويرجع بالثمن على البائع ، علم بحاله قبل العقد أو لم يعلم ، وقول أبي حنيفة .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- أنه أزيلت يده عن الرقبة بسبب كان في يد البائع فأشبه إذا استحق  .
ونوقش : بأنه لو كان بمنزلة الاستحقاق من كل وجه ،لم يصح بيعه ، وإنما جعل كالاستحقاق ؛ لدفع الضرر عن المشتري ، وقد اندفع حين علم به واشتراه  .
2- أنه تلف بسبب كان في يد البائع فصار كما لو جنى في يد الغاصب .
القول الثالث :
إنه إذا علم المشتري بحاله قبل العقد ،لم يرجع عليه بالأرش ، وإن لم يعلم رجع بأرش العيب ([5]) ، وهو وجه عند الشافعية ،والمذهب عند الحنابلة  ، وقول أبي يوسف ومحمد بن الحسن  .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- أن تعلق القتل برقبته كالعيب ؛ لأنه ترجى سلامته ، ويخشى هلاكه فهو كالمريض .
ونوقش : بأنه يخالف المريض ، فإنه لم يمت بالمرض الذي كان في يد البائع ، وإنما مات بزيادة مرض حدث في يد المشتري فلم يرجع بجميع الثمن .
2- أن القبض سلطه على التصرف فيدخل المبيع في ضمانه لكن تعلق القتل برقبته كعيب من العيوب فإذا هلك رجع على البائع بالأرش .
3- أنه تعذر الرد فيتعين الأرش .
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم :هو القول بأنه إن كان جاهلاً بحاله انفسخ البيع ورجع بالثمن على البائع ، وإن كان عالماً أو تبين له بعد الشراء ولم يرد ، فليس له شيء ؛ لما يأتي :
    1- قوة أدلة القائلين به .
    2- أنه عيب في الحالين ، ولكن في حالة العلم سقط أثره ، وفي حالة الجهل القتل من أثره ، فلذلك نزل منزلة الاستحقاق ؛ لكونه لم يرض به .


([1]) حيث قالوا : إن القول قول القابض .
([2]) رواه أبو داود والنسائي والدار قطني ، والحاكم وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. والبيهقي  وقال :هذا إسناد حسن موصول وقد روي من أوجه بأسانيد مراسيل إذا جمع بينها صار الحديث بذلك قوياً .وصححه الألباني بمجموع طرقه في الإرواء .
([3]) قال ابن حجر:  أما رواية التحالف فاعترف الرافعي في التذنيب أنه لا ذكر لها في شيء من كتب الحديث وإنما توجد في كتب الفقه وكأنه عني الغزالي فإنه ذكرها في الوسيط وهو تبع أمامه في الأساليب  .تلخيص الحبير(3/84).
قال البيهقي: عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهى إلى قولهم من أهل المدينة كانوا يقولون : إذا تبايع الرجلان بالبيع واختلفا في الثمن احتلفا جميعاً فأيهما نكل لزمه القضاء … .السنن الكبرى (5/334).
وقال الألباني : لم أره في شيء من هذه الطرق والظاهر أنه مما لا أصل له .إرواء الغليل(5/171)
([4]) الِاسْتِحْقَاقُ هو : ظهور كون الشيء حقاً واجباً للغير.
وقيل بأنه : رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله بغير عوض .
([5]) فعلى هذا القول إذا لم يعلم بحاله وقتل، قوم وهو حلال الدم ، وقوم وهو حرام الدم ، فيرجع بتفاوت ما بين القيمتين من الثمن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق