مواضيع المدونة

أخبار العربية

الخميس، 1 ديسمبر 2011

المحاضرة ( 14 ) من مقرر فقه 6


حكم البيع بثمن آجل معلوم القدر والأجل .
البيع بثمن آجل معلوم القدر والأجل بدون زيادة في السعر , متفق على جوازه من حيث الجملة . ولا خلاف فيه لأحد من الفقهاء , وذلك لقول الله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ( 

قال المفسرون : المراد به كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً والآخر  نسيئة فما قدم فيه الثمن وأجل فيه تسليم المثمن , فهو السلم , وقد ورد الشرع بجوازه , وانعقد عليه الإجماع , فهذا مثله , لأنه تأجيل لأحد العوضين , وهذا كله بشرط أن لا يكون العوضان مما يجري بينهما ربا النسيئة , كالذهب بالذهب أو بالفضة , وكالقمح بالشعير .
غير أن الإمام أحمد كره أن يختص الرجل بالبيع بالنسيئة , لا يبيع إلا بها , ولا يبيع بنقد قال ابن عقيل : وإنما كره النسيئة لمضارعتها الربا , فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل , لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقاً , ولا يكره إلا أن لا يكون له تجارة غيره .
غير أنه إن كان الثمن الذي وقع عليه البيع بالنسيئة أعلى من الثمن الحاضر لتلك السلعة ([1]): فقد نُقل الخلاف فيه عن زين العابدين علي بن الحسين , فقد نقل الشوكاني عنه : أنه كان يرى حرمة بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء .
ونقل الصنعاني الخلاف فيه عن قوم لم يسمهم وهو مذهب ابن حزم .
قال الشوكاني : متمسكهم رواية ” فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ الرِّبَا “ قال : وقد عرفت ما في راويه([2]) من المقال , ومع ذلك فالمشهور عن أبي هريرة t اللفظ الذي رواه غيره , وهو النهي عن بيعتين , ولا حجة فيه على المطلوب , ثم قال : على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة , وهي أن يقول : نقداً بكذا ونسيئة بكذا , لا إذا قال من أول الأمر : نسيئة بكذا فقط , وكان أكثر من سعر يومه . مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة , ولا يدل الحديث على ذلك , فالدليل أخص من الدعوى . وظاهر ما تقدم عن سِمَاكٍ أنه كان يرى المحرم أن يقول : هو نقداً بكذا ونسيئة بكذا , فدلالة الحديث عليه مطابقة . ([3])


حكم بيع التقسيط :
اختلف العلماء رحمهم الله في صحة بيع التقسيط والذي يظهر والله أعلم صحة البيع وهو قول جمهور أهل العلم ، والحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيع ، فكما يجوز للمشتري أن يدفع الثمن نقداً وأن يؤخره إلى أجل مسمى بالتراضي يجوز للبائع كذلك أن يزيد في الثمن زيادة معقولة لاعتبارات يراها عند تأجيله، ما لم تصل إلى حد الاستغلال والظلم لعموم الأدلة القاضية بالجواز .
الأدلة على صحة البيع :
1- أن الأصل في المعاملات الحل كما قال تعالى : )  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (  وزيادة الثمن إنما هي من أجل التأخير ففي هذه المعاملة مصلحة للتاجر في زيادة الثمن ومصلحة للمشتري بحصوله على ما يريد بثمن موزع على شهور معلومة ، فلما لم يأت دليل يمنعها حكمنا بالأصل وهو الحل.
2- أن الأصل في الشروط في العقود الحل إذا لم تخالف الشرع ، فإذا اتفقا على هذا الشرط وهو أن يكون الثمن مقسطاً فالأصل في ذلك الحل لقوله تعالى : )  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (  .
3- أن هذا مقتضى العدل لأنه تأخر عليه قبض الثمن والاستفادة منه فله أن يقابل ضرر التأخير بزيادة الثمن .
4- القياس على عقد السلم ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قَدِمَ النَّبِيُّ r الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ : ” مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ  
والسلم : دفع الثمن وتأخير المثمن ؛ وهذا في الغالب يكون في المثمن زيادة لأن المسلم يدفع الثمن ويأخذ سلعاً بعد مدة ، الغالب أن هذه السلع تكون أرخص من قيمتها الآن ويكون فيها زيادة .
5- أن البيع مبني على المغالبة، أما القرض فمبني على التعاون، وفرض زيادة فيه مخرجة عن هدف التبرع الذي شرع من أجله.
تنبيه :
حكم اشتراط الزيادة عند التأخير :
إذا قال بعتك السيارة بعشرة آلاف ريال فإن تأخرت عن التسديد لمدة شهر زدتك مائة فإن تأخرت شهرين زدتك مائتين وهكذا ، فهذا محرم ولا يجوز لأن هذا هو ربا الجاهلية .


قرار مجمع الفقه الإسلامي :
قرار رقم : 51 (2/6) بشأن البيع بالتقسيط .
مجلة المجمع (ع 6ج1ص 193 وع7ج2ص9 )
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس) 1990م،  بعد اطلاعه على البحوث
الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع البيع بالتقسيط ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله .
 قرر ما يلي :
أولاً : تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة ، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل . فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد، فهو غير جائز شرعاً .
ثانياً : لا يجوز شرعاً، في بيع الأجل، التنصيص في العقد على فوائد التقسيط، مفصولة عن الثمن الحال، بحيث ترتبط بالأجل ، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة .
ثالثاً : إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم .
رابعاً : يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء .
خامساً : يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها،عند تأخر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد . ([4])
سادساً : لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع،ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة .
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: (19/98)
إذا كان عند رجل بضاعة وطلب منه بعض الناس شراءها بأكثر من سعرها الحاضر إلى أجل معلوم فما الحكم الشرعي في ذلك؟
فأجاب: يجوز ذلك عند أكثر العلماء لقول الله سبحانه: )  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ (  الآية، ولم يشترط سبحانه أن تكون المداينة بسعر الوقت الحاضر ولقول النبي r لَمّا قدم المدينة وأهلها يسلمون في الثمار السنة والسنتين: ” مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ “ متفق على صحته ولم يشترط عليه الصلاة والسلام أن يكون ذلك بسعر الوقت الحاضر، وخرج الحاكم والبيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي r أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل فأمره أن يشتري البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، والأدلة في هذا المعنى كثيرة ولأن أمر التجارة في المداينة لا يستقيم إلا على ذلك لأن التاجر لا يمكنه غالباً أن يبيع السلع إلى أجل بسعر الوقت الحاضر لأن ذلك يكلفه خسائر كثيرة ولأن البائع ينتفع بالربح والمشتري ينتفع بالإمهال والتيسير، إذ ليس كل أحد يستطيع أن يشتري حاجته بالثمن الحال، فلو منعت الزيادة في المداينة لنتج عن ذلك ضرر المجتمع، والشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولا أعلم في هذه المسألة خلافاً يعول عليه بل المعروف في كلام العلماء هو الجواز والإباحة . وهذا فيما إذا كان الشراء لحاجة الاستعمال والانتفاع، أما إذا كان المشتري اشترى السلعة إلى أجل ليبيعها بنقد بسبب حاجته إلى النقد لقضاء الدين أو لتعمير مسكن أو للتزويج ونحو ذلك فهذه المعاملة إذا كانت من المشتري بهذا القصد ففي جوازها خلاف بين العلماء. وتسمى عند الفقهاء مسألة التورق ويسميها بعض العامة (الوعدة) والأرجح فيها الجواز وهو الذي نفتي به لعموم الأدلة السابقة ولأن الأصل في المعاملات الجواز والإباحة إلا ما خصه الدليل بالمنع ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك كثيراً لأن المحتاج في الأغلب لا يجد من يساعده في قضاء حاجته بالتبرع ولا بالقرض فحينئذ تشتد حاجته إلى هذه المعاملة حتى يتخلص مما قد شق عليه في قضاء دين ونحوه.


([1]) وهي مسألة بيع النسيئة وبيع الأجل وبيع التقسيط ، كلها أسماء لمسمى واحد .
([2]) وهو محمد بن عمرو بن علقمة .
([3]) النقل بتصرف من نيل الأوطار .
([4]) هذه الجزئية تحتاج إلى بحث وتحقيق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق