مواضيع المدونة

أخبار العربية

الخميس، 24 نوفمبر 2011

المحاضرة الرابعة من مقرر فقه 2


حكم السكتات في الصلاة :
اختلف العلماء رحمهم الله في سكتات الإمام على ستة أقوال :
القول الأول :
إن الإمام لا يسكت مطلقاً فلا يستحب استفتاح ولا استعاذة ولا سكوت لقراءة المأموم وهو قول المالكية .

أدلة هذا القول:
1- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ([1])
2- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ r وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . ([2])
وتقدم مناقشة هذه الأدلة .
القول الثاني :
إن الإمام لا يسكت إلا مرة واحدة للاستفتاح وهو قول الحنفية .
دليل هذا القول:
عن أبي هُرَيْرَةَ t أن رَسُولَ اللَّهِ r كان يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً
فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ . ([3])
قال النووي : " وتسميتها سكتة مجاز , فإنه لا يسكت حقيقة بل يقول : دعاء الاستفتاح , لكن سميت سكتة في الأحاديث الصحيحة كما سبق , ووجهه : أنه لا يسمع أحد كلامه , فهو كالساكت " ([4]).
القول الثالث :
إن الإمام يسكت مرتين الأولى بعد التكبير والثانية بعد الفاتحة .
أدلة هذا القول:
1- عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ تَذَاكَرَا فَحَدَّثَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r سَكْتَتَيْنِ سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَحَفِظَ ذَلِكَ سَمُرَةُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَتَبَا فِي ذَلِكَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ فِي كِتَابِهِ إِلَيْهِمَا أَوْ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِمَا أَنَّ سَمُرَةَ قَدْ حَفِظَ . ([5])
2-  قال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال أبو هريرة t: للإمام سكتتان , فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب ; إذا دخل في الصلاة , وإذا قال : ولا الضالين . ([6])
القول الرابع :
إن الإمام يسكت مرتين الأولى بعد التكبير والثانية بعد القراءة .ورجحها ابن تيمية .
أدلة هذا القول:
1- عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ سَكْتَتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَقَالَ حَفِظْنَا سَكْتَةً فَكَتَبْنَا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِالْمَدِينَةِ فَكَتَبَ أُبَيٌّ أَنْ حَفِظَ سَمُرَةُ قَالَ سَعِيدٌ فَقُلْنَا لِقَتَادَةَ مَا هَاتَانِ السَّكْتَتَانِ قَالَ إِذَا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ وَكَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَتَرَادَّ إِلَيْهِ نَفَسُهُ ([7])
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَمَا يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَقُ وَأَصْحَابُنَا
2- قال عروة بن الزبير : أما أنا فأغتنم من الإمام اثنتين , إذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين , فأقرأ عندها , وحين يختم السورة , فأقرأ قبل أن يركع .رواه الأثرم . ([8])
قال ابن قدامة : وهذا يدل على اشتهار ذلك فيما بينهم ([9]).
القول الخامس :
إن الإمام يسكت ثلاث سكتات : بعد التكبير وبعد الفاتحة وبعد القراءة قبل الركوع وهو مشهور مذهب الشافعي وأحمد .
وإليه ميل الشوكاني حيث قال : حصل من مجموع الروايات ثلاث سكتات ([10]).
دليل هذا القول:
الجمع بين الأدلة السابقة .
القول السادس :
إن الإمام يسكت أربع سكتات : بعد التكبير وبين قوله : "وَلَا الضَّالِّينَ" و "آمِينَ" وبعد الفاتحة وبعد
القراءة قبل الركوع وهو قول لبعض الشافعية .
أدلة هذا القول:
1- الجمع بين الأدلة السابقة .
2- ليعلم المأموم أن لفظة أمين ليست من القرآن .
اختيارات أهل العلم في حكم السكتات في الصلاة :
قال ابن القيم في زاد المعاد : وكان له سكتتان سكتة بين التكبير والقراءة وعنها سأله أبو هريرة واختلف في الثانية فروي أنها بعد الفاتحة . وقيل إنها بعد القراءة وقبل الركوع . وقيل هي سكتتان غير الأولى فتكون ثلاثاً والظاهر إنما هي اثنتان فقط وأما الثالثة فلطيفة جداً لأجل تراد النفس ولم يكن يصل القراءة بالركوع بخلاف السكتة الأولى فإنه كان يجعلها بقدر الاستفتاح والثانية قد قيل إنها لأجل قراءة المأموم فعلى هذا : ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاتحة وأما الثالثة فللراحة والنفس فقط وهي سكتة لطيفة فمن لم يذكرها فلقصرها ومن اعتبرها جعلها سكتة ثالثة فلا اختلاف بين الروايتين وهذا أظهر ما يقال في هذا الحديث . وقد صح حديث السكتتين من رواية سمرة وأبي بن كعب وعمران بن حصين ذكر ذلك أبو حاتم في " صحيحه " .
وقال الشيخ ابن باز : الثابت في الأحاديث سكتتان: إحداهما: بعد التكبيرة الأولى، وهذه تسمى سكتة الاستفتاح، والثانية: عند آخر القراءة قبل أن يركع الإمام وهي سكتة لطيفة تفصل بين القراءة والركوع. وروي سكتة ثالثة بعد قراءة الفاتحة، ولكن الحديث فيها ضعيف، وليس عليها دليل واضح فالأفضل تركها، أما تسميتها بدعة فلا وجه له؛ لأن الخلاف فيها مشهور بين أهل العلم، ولمن استحبها شبهة فلا ينبغي التشديد فيها، ومن فعلها أخذا بكلام بعض أهل العلم لما ورد في بعض الأحاديث مما يدل على استحبابها، فلا حرج في ذلك، ولا ينبغي التشديد في هذا كما تقدم. والمأموم يقرأ الفاتحة في سكتات إمامه، فإن لم يكن له سكتة قرأ المأموم الفاتحة ولو في حالة قراءة الإمام، ثم ينصت للإمام لقول النبي r: ((لعلكم تقرءون خلف إمامكم)) قلنا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)) رواه الإمام أحمد والترمذي بإسناد حسن. وهذا في الجهرية، أما في السرية فيقرأ المأمومون الفاتحة وما تيسر معها من القرآن في الأولى والثانية من الظهر والعصر. والله الموفق. ([11])
وقال الشيخ ابن عثيمين : السكتة الأولى للاستفتاح: وهذه ثابتة في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قال للنبي r: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد".
والسكتة الثانية: بعد قراءة الفاتحة أخرجها أبو داود وغيره من أهل السنن، وقال الحافظ في الفتح إنها ثابتة، ولكنها سكتة ليست كما قاله بعض الفقهاء، إنها طويلة بحيث يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة بل هي سكتة يسيرة يتأمل الإمام فيها ما سيقرأ بعد الفاتحة، وينتظر شروع المأموم في قراءتها.
والسكتة الثالثة: وهي سكتة لا تكاد تذكر بعد القراءة التي بعد سورة الفاتحة قبل الركوع، لكنها سكتة يسيرة جداً ولهذا حذفت من بعض الأحاديث. ([12])



([1]) رواه مسلم  .
([2]) رواه البخاري  .
([3]) رواه البخاري ومسلم  .
([4]) انظر : المجموع ج3/ص349
([5]) رواه أبو داود والترمذي وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي وابن القيم .وضعفه الألباني في الإرواء
([6]) قال الألباني : إسناده حسن . وروي عن أبي هريرة وحسنه الألباني أيضاً . سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم ( 546 )
([7]) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه  .
([8]) انظر : المغني ج2/ص164
([9]) انظر : المغني ج2/ص164
([10]) انظر : تحفة الأحوذي ج2/ص72
([11]) موقع الشيخ رحمه الله في إجابته على السؤال :  ما حكم سكتة الإمام بعد الفاتحة، وقد سمعت أنها بدعة؟
([12]) انظر : فتاوى ابن عثيمين ج13/ص 147

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق