مواضيع المدونة

أخبار العربية

الخميس، 24 نوفمبر 2011

المحاضرة الثالثة من مقرر فقه 2


حكم دعاء الاستفتاح في الصلاة والمختار منه .
دعاء الاستفتاح : هو الذكر الذي تبدأ به الصلاة بعد التكبير . وإنما سمي بذلك لأنه أول ما يقوله المصلي بعد التكبير , فهو يفتتح به صلاته , أي يبدؤها به .

حُكْمُ الِاسْتِفْتَاحِ :
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
إن دعاء الاستفتاح واجب وهو رواية عن الإمام أحمد
دليل هذا القول:
عن رِفَاعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r قال : إِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ يَعْنِي مَوَاضِعَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَرْكَعُ ([1])
قال الصنعاني : " [ ثُمَّ يُكَبِّرُ ] تكبيرة الإحرام [ وَيَحْمَدُ اللَّهَ ] بقراءة الفاتحة إلا أن قوله [وَيَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ] يشعر بأن المراد بقوله يحمده غير القراءة وهو دعاء الافتتاح فيؤخذ منه وجوب مطلق الحمد والثناء بعد تكبيرة الإحرام . ([2])
ونوقش : بأنه يحمل على الذي ليس عنده قرآن وقد ورد في رواية الترمذي وأبي داود قوله r " فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعًا .
القول الثاني :
إن دعاء الاستفتاح سنة وهو قول جمهور الفقهاء .
لما ورد في الأحاديث التي سيأتي ذكرها في الصيغ المأثورة في الاستفتاح .
القول الثالث:
إن الاستفتاح غير مشروع في الصلاة، وإنما على المصلي أن يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب وهو قول الإمام مالك .
أدلة هذا القول:
1- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ([3])
2- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ r وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . ([4])
ونوقش : بأن عائشة رضي الله عنها روت ثلاثة أحاديث من أدعية الاستفتاح فيحمل على أن المراد افتتاح القراءة الجهرية وكذلك قول أنس نحو قولها والاستفتاح يُسر به ولا يجهر.
3- استدلوا أيضاً بعمل أهل المدينة .
ونوقش بأنه قد ثبت عن بعض علماء المدينة القول بدعاء الاستفتاح .
قال أبو داود : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ (القرشي 250) حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ (الحضرمي 203 ) حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ( الأموي 162) قَالَ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ (التيمي 131) وَابْنُ أَبِي فَرْوَةَ (إسحاق بن عبد الله 144)وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِذَا قُلْتَ أَنْتَ ذَاكَ فَقُلْ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي قَوْلَهُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ .
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول الثاني ( قول الجمهور ) لقوة أدلتهم حتى إنَّ ابن جرير الطبري وابن تيمية نقلا الإجماع على استحباب دعاء الاستفتاح ([5]) .
قال ابن رشد : " قال القاضي قد ثبت في الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ r كان يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ".
تنبيه :
صرح فقهاء المالكية بأن الحكم كراهة الفصل بين التكبير والقراءة بدعاء . سواء أكان دعاء الاستفتاح أو غيره .
إلا أن في كفاية الطالب : أن هذا هو المشهور عن مالك , ثم قال : واستحب بعضهم الفصل بينهما بلفظ : " سبحانك اللهم وبحمدك . . . إلخ " . ([6])
وقال العدوي معلقا على ذلك : في قوله والمشهور عن مالك إلخ إشارة إلى أن هذا القول لمالك " إلا أنه ليس مشهورا عنه . ([7])
ثم قد جاء في جواهر الإكليل تعليقاً على قول خليل بالكراهة : " أي يكره على المشهور للعمل , وإن صح الحديث به - يعني ما قاله الدسوقي : لأنه لم يصحبه عمل - ثم قال : وعن مالك ندب قوله قبلها - أي قبل تكبيرة الإحرام - : سبحانك اللهم وبحمدك ... , وجهت وجهي ... , اللهم باعد ... قال ابن حبيب : يقوله بعد الإقامة وقبل الإحرام . قال في البيان : وذلك حسن ... "ا هـ . ([8])
وكذلك نقل الرافعي من الشافعية عن مالك قوله : لا يستفتح بعد التكبير إلا بالفاتحة , والدعاء والتعوذ يقدمهما على التكبير .
فكأن خلاف المالكية في الاستفتاح راجع إلى موضعه , فعندهم يكون قبل التكبير , وعند غيرهم بعده .
مذاهب الفقهاء في الصيغة المختارة :
اختلف الفقهاء فيما يختارونه من الصيغ المأثورة على أقوال :
القول الأول :
يستحب للمصلي أن يستفتح بدعاء التسبيح " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ... " ولا يستحب الجمع بينه وبين دعاء التوجيه " وَجَّهْتُ وَجْهِي.." وهو قول الحنفية والحنابلة .

أدلة هذا القول:
1- عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها " قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك , وَتَبَارَكَ اسْمُك , وَتَعَالَى جَدُّك , وَلَا إلَهَ غَيْرُك .([9])
2- عَنْ عَبْدَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ  كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ . ([10])
قالوا وكان عمر t يستفتح بسبحانك اللهم بين يدي أصحاب النبي r وبمحضر منهم وعمل به السلف وهو قول أكثر أهل العلم فكان الاستفتاح بذلك أولى .
قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التابعين وغيرهم .
قال ابن تيمية:ولولا أن النبي r كان يقولها في الفريضة ما فعل ذلك عمر t وأقره الصحابة y. ([11])
القول الثَّانِي :
يستحب للمصلي أن يستفتح بدعاء التوجيه ولا يستحب الجمع بينه وبين دعاء التسبيح وهو قول الشافعية .
دليل هذا القول:
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ : وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ . ([12])
قالوا : قد ثبت عن رسول الله r أنه استفتح الصلاة بدعاء التوجيه ولم يثبت عنه في الاستفتاح بسبحانك اللهم شيء فيتعين اعتماد ما ثبت والعمل به .
وجاء في رواية الترمذي وابن حبان وغيرهما بإسناد صحيح : أنه كان يقول ذلك في المكتوبة .

القول الثَّالِثُ :
يستحب للمصلي أن يجمع في الاستفتاح بين دعاء التوجيه و دعاء التسبيح وهو قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة , وجماعة من الشافعية , منهم أبو إسحاق المروزي , والقاضي أبو حامد , وهو اختيار الوزير ابن هبيرة من أصحاب الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابْنِ تَيْمِيَّةَ .
أدلة هذا القول:
1- الجمع بين الأدلة السابقة .
وجه الاستدلال : أنه ثبت الاستفتاح بدعاء التوجيه وبدعاء التسبيح فيستحب الجمع بينهما جمعاً بين الأخبار .
2- ورد ما يدل على الجمع بينهما في الاستفتاح ومن ذلك
1- عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ , قَالَ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك , وَتَبَارَكَ اسْمُك , وَتَعَالَى جَدُّك . وَلَا إلَهَ غَيْرُك , وَجَّهْت وَجْهِي , ...  .
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ : وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ , سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك , وَتَعَالَى جَدُّك , وَلَا إلَهَ غَيْرُك  إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا من الْمُسْلِمِينَ .
ونوقش : بأن الجمع لم يثبت والأحاديث التي في الجمع ضعيفة .
القول الراجح :
هو الاقتصار على صيغة واحدة وعدم الجمع بين الصيغتين في صلاة الفريضة
أما في النافلة , وخاصة في صلاة الليل , فقد اتفق الحنفية والشافعية والحنابلة على جواز الجمع بين الثناء ودعاء التوجه .


([1]) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني .
([2]) انظر : سبل السلام ج1/ص251.
([3]) رواه مسلم  .
([4]) رواه البخاري  .
([5]) جامع البيان في تأويل القرآن ( 11/500 )، الفتاوى لابن تيمية ( 22/403 ).
([6]) انظر : كفاية الطالب ج1/ص288.
([7]) انظر : حاشية العدوي ج1/ص288.
([8]) انظر : جواهر الإكليل ج1/ص75 .
([9]) رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في الإرواء 2/50  .
([10]) رواه مسلم  .
([11]) انظر : الفتاوى ج22/ص 344  .
([12]) رواه مسلم  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق