مواضيع المدونة

أخبار العربية

الجمعة، 11 نوفمبر 2011

المحاضرة التاسعة


حكم بيع الزيت المتنجس :
قال ابن رشد رحمه الله: ((ومن هذا الباب اختلافهم في بيع الزيت النجس وما ضارعه بعد اتفاقهم على تحريم أكله ))
تفصيل المسألة :
الزيت إما أن يكون طاهر العين كزيت الزيتون وزيت السمسم.وهذا جائز بالإجماع.

وإما أن يكون نجس العين وهو المأخوذ من الميتات .وحكي الإجماع على عدم جواز بيعه وهو ما يسمى بالوَدَك.
والدليل على ذلك حديث جابر t أنه سمع رسول الله r  يقول : ” إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ  بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ  ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ “  . ([1])
وإما أن يكون متنجساً وهو الزيت الذي طرأت عليه النجاسة.
فقد اختلف العلماء فيه على قولين ([2]):
القول الأول:
أنه لا يجوز بيع الدهن المتنجس ، وهو الأصح عند الشافعية، وقول المالكية ([3])، وقول للحنابلة ([4]) .
 أدلة أصحاب هذا القول :
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ” إِذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ . ([5])
وجه الدلالة : أن الأمر والنهي عن قربه ، وإلقاء ما حوله منع من بيعه ؛ لأنه لو جاز بيعه لم يأمر r بإلقائه  .
ونوقش : بأن مراده r بيان حرمة الأكل ، فمعظم وجوه الانتفاع بالسمن هو الأكل .
 2- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ  رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ r : ” إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ “([6])
وجه الدلالة : أن هذا الزيت محرم الأكل ، فوجب أن يحرم ثمنه .
ونوقش بأن السرقين ([7]) محرم الأكل ، ومع ذلك يجوز بيعه.
3- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t أَنَّهُ قال : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ وَالْزَّيْتِ فَقَالَ :”  اسْتَصْبِحُوا بِهِ وَلَا تَأْكُلُوهُ “ ([8])
وجه الدلالة :أن هذا يدل على أن غير الاستصباح غير مأذون فيه.
4- أنه مائع نجس ، فلم يجز بيعه كالخمر.
ونوقش بأن الخمر محرمة لعينها ، بخلاف الدهن المتنجس .
القول الثاني :
أنه يجوز بيعـه إذا بينه للمشتري ، وهو قـول الحنـفـية ، وقـول للمـالكـية ، ووجه للشافعية ،والمذهب عند الحنابلة ([9]) .
أدلة أصحاب هذا القول :
1-  عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ  r  سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ وَالْوَدَكِ ([10]) : فَقَالَ : ” اطْرَحُوا َمَا حَوْلَـهَا إِنْ كَانَ جَامِـدًا ، وَإِنْ كَانَ مَائِـعًا فَانْتَفَعُوا بِهِ وَلَا تَأْكُلُوا “ ([11])
وجه الدلالة أن النبي r أطلق الانتفاع به .
2- أن نجاسته لا لعينه ، بل لمجاورته النجاسة ، فكان كالثوب النجس.
ونوقش من وجهين :
1- أن الثوب يمكن غسله بالإجماع بخلاف الدهن .
2- أن المنفعة المقصودة بالثوب هي اللبس ، وهو حاصل مع أنه نجس ، والمنفعة المقصودة بالزيت الأكل
وهو حرام.
3- أنه مائع يجوز الاستصباح به ، فجاز بيعه كالدهن الطاهر.
ونوقش : بأن جواز الاستصباح به لا يلزم منه جواز البيع ، كما أنه يجوز إطعام الميتة للجوارح ولا يجوز بيعها.
4- أنه منتفع به ، فجاز بيعه كالبغل والحمار  .   
5- أن تنجسه بسقوط النجاسة فيه ، لا يسقط ملكه عنه ، ولا يذهب جملة المنافع منه.
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول بأنه يجوز بيعه إذا بين للمشتري أنه متنجس ؛ وذلك لما يأتي :
1- قوة أدلة القائلين به .
وأما ما ذكروه  من أدلة أو مناقشة ، فإنه يجاب عنها : بأن الجواز مبني على القول بإمكان تطهيره .
قال الشيخ ابن عثيمين  ‑ رحمه الله ‑ : ( والصحيح أن بيعها جائز ؛ لأن منع بيعها بناءً على أنه لا يمكن تطهيرها ، ولكن الصحيح أن تطهيرها ممكن ) .
وأن الزيت يمكن تطهيره إما بالطبخ فتتبخر النجاسة وإما بالمكاثرة .
قالوا : وطريق تطهيره أن نجعل الدهن في إناء ويصب عليه الماء ويكاثر به ويحرك بخشبة ونحوها تحريكاً يغلب على الظن أنه وصل إلى جميع أجزائه , ثم يترك حتى يعلو الدهن على الماء فيأخذه , أو يفتح أسفل الإناء فيخرج الماء ويطهر الدهن ويسد الفتحة بيده أو بغيرها.
حكم بيع لبن الآدمية : ([12])
قال ابن رشد رحمه الله: ((ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب اختلافهم في جواز بيع لبن الآدمية إذا حلب ))
تفصيل المسألة :
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم بيع لبن الآدمية إذا حلب ، أما إذا كان داخل الثدي فإنه لا يجوز بالإجماع ؛ لعلة الجهالة والغرر .
القول الأول :
أنه يجوز بيع لبن الآدمية إذا حلب ، وهو قول المالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- أنه لبن طاهر منتفع به .
2- أنه لبن أبيح شربه , فأبيح بيعه قياساً على سائر الأنعام .
3- أنه يجوز أخذ العوض عنه في إجارة الظئر , فأشبه المنافع .
القول الثاني :
أنه لا يجوز بيع لبن الآدمية إذا حلب ، وهو قول الحنفية  وقول عند الحنابلة .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- أنه لا يباح الانتفاع به شرعاً على الإطلاق , بل لضرورة تغذية الطفل , وما حرم الانتفاع به شرعاً إلا لضرورة لا يكون مالاً .
2- أن الناس لا يعدونه مالاً , ولا يباع في سوق من الأسواق .
وأجيب عنهما : بأن الشارع أذن بأخذ العوض عليه في الإجارة .
3- أنه جزء من الآدمي , والآدمي بجميع أجزائه محترم مكرم , وليس من الكرامة والاحترام ابتذاله بالبيع والشراء .
وأجيب عنه : بأنه قياس مع الفارق فإن قطع الأعضاء فيه ضرر بعكس خروج اللبن .
القول الثالث :
أنه يكره بيع لبن الآدمية إذا حلب ، وهو قول عند الحنابلة .
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول بأنه يجوز بيعه .

تنبيه :
قال ابن رشد رحمه الله – بعد ذكر هذه المسائل - : (( فسبب اختلافهم في هذا الباب تعارض أقيسة الشبه وفروع هذا الباب كثيرة وإنما نذكر من المسائل في كل باب المشهور ليجري ذلك مجرى الأصول))
أي فيقيس عليها طالب العلم بقية المسائل في هذا الباب .


([1]) رواه البخاري ومسلم .
([2]) الخلاف في هذه المسألة ينبني على الخلاف في إمكان تطهير الزيت المتنجس وقد اختلف العلماء فيها على قولين :
القول الأول : أنه يمكن تطهيره وهو قول الحنفية،وقول للمالكية،وللشافعية وللحنابلة
القول الثاني : عدم إمكان تطهيره،وهو قول محمد من الحنفية وقول المالكية ، والأصح عند الشافعية ،والمذهب عند الحنابلة .
([3]) قال الدسوقي نقلا عن ابن رشد : " والمشهور عن مالك المعلوم من مذهبه في المدونة وغيرها أن بيعه لا يجوز والأظهر في القياس أن بيعه جائز ممن لا يغش به إذا بين ; لأن تنجيسه بسقوط النجاسة فيه لا يسقط ملك ربه عنه ولا يذهب جملة المنافع منه , ولا يجوز أن يتلف عليه فجاز له أن يبيعه ممن يصرفه فيما كان له هو أن يصرفه فيه , وهذا في الزيت على مذهب من لا يجيز غسله , وأما على مذهب من يجيز غسله وروي ذلك عن مالك فسبيله في البيع سبيل الثوب المتنجس. حاشية الدسوقي ج3/ص10
([4]) وهو بناء على القول بأنه لا يطهر .
([5]) رواه أبو داود ،والنسائي ،وأحمد .
وقال الترمذي : وهو حديث غير محفوظ . ونقل عن البخاري أنه قال :حديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة t خطأ ، أخطأ فيه معمر ، والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة y
وقال ابن عبد الهادي : ورجاله وإن كانوا رجال الصحيحين فإنه خطأ من وجوه كثيرة .
وقال الألباني:شاذ.
وحديث ميمونة رواه البخاري وفيه : أن رسول الله r سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: ”  ألقوها وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم “  .
([6]) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه ابن القيم والألباني .
([7]) السرقين: بكسر السين،ويقال له السرجين بالجيم،وهو الزبل،وهو كلمة أعجمية معربة.
والمراد به زبل ما يؤكل لحمه .
([8]) رواه الدارقطني في السنن والبيهقي في السنن الكبرى.ورواه موقوفاً على أبي سعيد وقال : هذا هو المحفوظ موقوف .
حكم الاستصباح بالدهن المتنجس :
يرى جمهور الفقهاء جواز الاستصباح بالدهن المتنجس في غير المسجد ; للحديث .
أما الاستصباح به في المسجد فلا يجوز ; لئلا يؤدي إلى تنجيسه .
([9]) على القول بأنه يطهر .
([10]) الودك: هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه.
([11]) رواه ابن المنذر في الأوسط،والدار قطني في السنن والبيهقي في السنن الكبرى وقال:والصحيح عن ابن عمر موقوفاً.
([12]) سبب ذكر ابن رشد هذه المسألة في هذا الموطن أن الحنفية رحمهم الله قسوا لبن الآدمية على لبن الخنزير والأتان .
قال ابن رشد : والأصل عندهم أن الألبان تابعة للحوم فقالوا في قياسهم هكذا الإنسان حيوان لا يؤكل لحمه فلم يجز بيع لبنه أصله لبن الخنزير والأتان .
والْأَتَانُ الْأُنْثَى مِنْ الْحَمِيرِ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق