مواضيع المدونة

أخبار العربية

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

المحاضرة ( 11 ) من مقرر فقه 6


البيوع المنهي عنها
قال ابن رشد ‑ رحمه الله ‑  في بداية المجتهد :
الباب الثالث في البيوع المنهي عنها
( وهي البيوع المنهي عنها من قبل الغبن ) أي النتيجة ( الذي سببه الغرر ) أي أن سبب الغبن الغرر ؛ لأنه قد يقع الغبن بدون غرر فقد يشتري الإنسان شيئاً بأكثر من سعره
بدون غرر من البائع إما بسبب جهله أو عدم معرفته بفوائد المبيع ( والغرر يوجد في المبيعات من جهة الجهل على أوجه ) أي سبب حصول الغرر في البيع هو الجهل وكما سبق في تعريف الغرر بأنه : مجهول العاقبة ،ومن صور وقوع الجهل في البيع ( إما من جهة الجهل بتعيين المعقود عليه ) أي الجهل بالمبيع إذا كان حاضراً كأن يقول : أبيعك كتاباً من هذه الكتب بعشرين ريالاً وكانت أسعارها متفاوتة  ( أو تعيين العقد ) أي هل هو بالنقد أو بالتقسيط ( أو من جهة الجهل بوصف الثمن والمثمون ‑ المبيع ‑ ) أي الجهل بأوصافه إن كان غائباً عن مجلس العقد  (أو بقدره ) أي مقدار الثمن أو السلعة ( أو بأجله إن كان هنالك أجل ) كقوله : إلى أن يُشفى مريضي أو إلى أن يأتي زيد من سفره وكان موعد قدومه مجهولاً لهما (وإما من جهة الجهل بوجوده) كبيع الحمل قبل التأكد من وجوده (أو تعذر القدرة عليه) كبيع الطير في الهواء (وهذا راجع إلى تعذر التسليم) أي العلة فيما سبق (وإما من جهة الجهل بسلامته ‑ أعني بقاءه‑) كبيع الحمل بعد التأكد من وجوده (وههنا بيوع تجمع أكثر هذه أو بعضها )لأن المصنف سيذكر عدداً من البيوع المنهي عنها بسبب الغرر .
(ومن البيوع التي توجد فيها هذه الضروب من الغرر بيوع منطوق بها)  أي ورد النص بتحريمها (وبيوع مسكوت عنها ) أي لم يرد النص بحكمها (والمنطوق به أكثره متفق عليه) أي على تحريمه (وإنما يختلف في شرح أسمائها ) أي الخلاف في صورتها (والمسكوت عنه مختلف فيه) أي هل هو حلال أو حرام ( ونحن نذكر أولاً المنطوق به في الشرع وما يتعلق به من الفقه ثم نذكر بعد ذلك من المسكوت عنه ما شهر الخلاف فيه بين فقهاء الأمصار ليكون كالقانون ) أي كالضابط ( في نفس الفقه أعني في رد الفروع إلى الأصول )
ثم ذكر رحمه الله بعض البيوع المنهي عنها ومنها :
بيع الملامسة :
الملامسة من بيوع الجاهلية . وقد ثبت النهي عنها في الحديث , فعن أبي هريرة t  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ  ([1]).
وفسره أبو هريرة t في رواية مسلم بقوله : أما الملامسة : فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل .
وفُسرت الملامسة بصور أخرى :
 1 - أن يلمس ثوباً مطوياً , أو في ظلمة , ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه , اكتفاء بلمسه عن رؤيته .
2 - أن يكون الثوب مطوياً , فيقول البائع للمشتري : إذا لمسته فقد بعتكه , اكتفاء بلمسه عن الصيغة 3 - أن يبيعه شيئاً على أنه متى لمسه لزم البيع , وانقطع خيار المجلس وغيره .
حكم بيع الملامسة :
وهذا البيع بصوره المذكورة كلها , فاسد عند عامة الفقهاء , قال ابن قدامة : لا نعلم فيه خلافاً , وذلك لعدم الرؤية في الصورة الأولى , مع لزوم البيع , اكتفاء باللمس عن الرؤية . ولعدم الصيغة في الصورة الثانية . كما قال الشافعية . ولتعليق التمليك على أنه متى لمسه وجب البيع , وسقط خيار المجلس في الثالثة .
بيع المنابذة :
بيع المنابذة أيضاً من بيوع الجاهلية . وثبت النهي عنها في صحاح الأحاديث , كما ثبت عن الملامسة .
والمنابذة : أن ينبذ كل واحد ثوبه إلى الآخر , ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه .
وفُسرت المنابذة بصور أخرى :
1 - أن ينبذ كل واحد من المتبايعين ثوبه إلى الآخر , ولا ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه - أو ينبذه إليه بلا تأمل كما عبر المالكية - على جعل النبذ بيعاً . وهذا التفسير المأثور عن أبي سعيد الخدري t في رواية مسلم :  فيكون ذلك بيعهما , من غير نظر ولا تراض  وهو المنقول عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى .
2 - أن يجعلا النبذ بيعاً , اكتفاء به عن الصيغة , فيقول أحدهما : أنبذ إليك ثوباً بعشرة , فيأخذه الآخر ( والصورة الأولى فيها مشاركة بخلاف هذه ) .
3 - أن يقول : بعتك هذا بكذا , على أني إذا نبذته إليك , لزم البيع وانقطع الخيار .
4 - أن يقول : أي ثوب نبذته إلي فقد اشتريته بكذا , وهذا ظاهر كلام أحمد - رحمه الله تعالى .
هذا ولا بد أن يسبق اتفاقهما على الثمن مع ذلك , وإلا كان المنع لعدم ذكر الثمن .
حكم بيع المنابذة :
كل هذه الصور فاسدة , بلا خلاف بين أهل العلم , صرح بذلك ابن قدامة وغيره .
بيع الحصاة :
بيع الحصاة : هو البيع بإلقاء الحجر , وكان معروفاً في الجاهلية , وورد النهي عنه , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ . ([2])
واختلف الفقهاء في تفسيره .
قال النووي : وأما بيع الحصاة ففيه تأويلات :
 أحدها : أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما تقع عليه الحصاة التي أرميها , أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى حيث تنتهي إليه هذه الحصاة .
الثاني : أن يقول بعتكه على أنك بالخيار إلى أن أرمي الحصاة .
الثالث : أن يجعلا نفس الرمي بيعاً وهو إذا رميت هذه الحصاة فهذا الثوب مبيع لك بكذا , والبيع باطل على جميع  التأويلات .
وذكر المالكية تفسيرا رابعاً : وهو أن يقول البائع للمشتري : ارم بالحصاة فما خرج ووجد من أجزاء تلك الحصاة التي تكسرت كان لي بعدده دنانير أو دراهم .
أو يقول المشتري للبائع : ارم بالحصاة فما خرج من أجزائها المتفرقة حال رميها , كان لك بعدده دنانير أو دراهم .
ويحتمل أيضاً عندهم أن يكون المراد بالحصاة الجنس , أي يقول البائع للمشتري : خذ جملة من الحصى , في كفك أو كفيك , وحركه مرة أو مرتين - مثلا - فما وقع فلي بعدده دراهم أو دنانير .
حكم بيع الحصاة :
لا يختلف الفقهاء في فساد هذا البيع بهذه الصور المفسرة للحديث كلها , وقد وضعوا إزاء كل صورة ما يشير إلى وجه الفساد فيها .

بيع حبل الحبلة :
الحَبَلُ: مصدر : حَبِلَتْ الْمَرْأَةُ ويستعمل لكل بهيمة تلد إذا حملت بالولد , والوصف : حبلى والجمع حُبْلَيَاتُ , وَحَبَالَى.
وَالْحَبَلَةُ : جمع حابلة بالتاء . قال أبو عبيد : حبل الحبلة : ولد الجنين الذي في بطن الناقة , فإذا ولدت فولدها ( حبل ).
وفي الاصطلاح : هو نِتَاجُ النِّتَاجِ , بأن تستولد الدابة , ثم تستولد ابنتها .
حكم بيع حبل الحبلة :
لا خلاف بين الفقهاء في أن بيع حبل الحبلة حرام والعقد باطل . لحديث : ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ . وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا. ([3])
المراد بالنهي :
اختلف الفقهاء في المعنى المنهي عنه في الحديث لاختلاف الروايات :
القول الأول :
أن المنهي عنه هو : بيع ما سوف يحمله الحمل بعد أن يولد ويحمل ويلد وهو نتاج النتاج .وهو قول الحنفية وقول للشافعية.
وسبب النهي على هذا القول : أنه بيع معدوم وغير مقدور على تسليمه .
القول الثاني :
أن المنهي عنه هو : بيع الجزور بثمن مؤجل إلى أن تنتج الناقة , وتنتج التي في بطنها , وهو قول المالكية والشافعية .
وسبب النهي على هذا القول : أنه بيع إلى أجل مجهول .
القول الثالث :
قال الحنابلة بكل من التفسيرين , وحكموا بفساد البيع لكل منهما للسببين المذكورين .
وكلا البيعين باطل باتفاق الفقهاء , لأنه من بيوع الغرر .


([1]) رواه البخاري ومسلم .
([2]) رواه مسلم .
([3]) رواه البخاري ومسلم . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق