مواضيع المدونة

أخبار العربية

الأحد، 23 أكتوبر 2011

المحاضرة الثامنة من مقرر فقه 6


حكم بيع الكلب :
قال ابن رشد رحمه الله: ((وأما ما حرم بيعه مما ليس بنجس أو مختلف في نجاسته فمنها الكلب والسنور))
تفصيل المسألة :
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم بيع الكلب على أربعة أقوال:

القول الأول:
لا يجوز بيع الكلب أصلاً ولا فرق بين المعلم وغير المعلم. وهو قول جماهير العلماء، وهو قول أبي هريرة t والحسن البصري والأوزاعي وربيعة والحكم وحماد وداود وابن المنذر وغيرهم وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة.  
أدلة أصحاب هذا القول :
أحدهما: ثبوت النهي الوارد عن ثمن الكلب عن النبي r  ومن ذلك .    
1- عن أبي مسعود t أن رسول الله r:”نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ([1])([2]).
2- عن أبي الزبير([3]) قال:سَأَلْتُ جَابِرًا t عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ([4]) قَالَ:زَجَرَ النَّبِيُّ r عَنْ ذَلِكَ ([5])
3- عن أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ  r ” نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَكَسْبِ الْبَغِيِّ “  ([6]) .
4- عن جابر t أن النبي r  نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ “  ([7]) .
5- عن رافع بن خديج t أن رسول الله r قال:” شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ ([8]) ([9]).
6- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا “  ([10]) .
فهذه الأحاديث تدل على النهي عن بيعه، والنهي يقتضي الفساد، وأنه لا قيمة على مُتلِفه ولم تفرق بين نوع وآخر.
والثاني: أن الكلب نجس العين كالخنزير . 
القول الثاني:
لا يجوز بيع الكلب العقور وهو قول أبي يوسف.
أدلة أصحاب هذا القول :
1- عن علي بن أبي طالب t ، أن النبي r : ” نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ ([11])([12]) .  
2- أنه غير منتفع به .
القول الثالث:
جواز بيع الكلب للصيد دون غيره وحكاه ابن المنذر عن جابر t وعطاء والنخعي .
أدلة أصحاب هذا القول:
1- عن أبي هريرة t أن النبي r   نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ “  ([13])
2- عن جابر t أن النبي r   نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ وَالْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ “  ([14])
3- وفي رواية ”  ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ سُحْتٌ  أَجْرُ الْحَجَّامِ,وَمَهْرُ الْبَغِيِّ , وَثَمَنُ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ “ ([15])
4- عن عثمان t ” أَنَّهُ غَرَّمَ رَجُلًا عَنْ كَلْبٍ قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا “ ([16]) .
5- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ” أَنَّهُ قَضَى فِي كَلْبِ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا , وَقَضَى فِي كَلْبِ مَاشِيَةٍ بِكَبْشٍ “ ([17]).
6- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي r قال:” مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ ([18]) نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ ([19])([20])  
فأباح اتخاذ ما استثنى منها وإذا أباح اتخاذه جاز بيعه كسائر الحيوان.
7- قالوا إنه لما قرن ثمنها في الحديث مع مهر البغي وحلوان الكاهن وهذا لا إباحة في شيء منه فدل على أن الكلب الذي نهى عن ثمنه ما لم يبح اتخاذه ولم يدخل في ذلك ما أبيح اتخاذه . 
8- قالوا : يدل على صحة هذا الاستثناء أيضاً ، أن جابراً أحد من روى عن النبي r النهي عن ثمن الكلب، وقد رخص جابر نفسه في ثمن كلب الصيد،وقول الصحابي صالح لتخصيص عموم الحديث عند من جعله حجة،فكيف إذا كان معه النص باستثنائه والقياس .
القول الرابع:
يجوز بيعه مطلقاً وهو قول الحنفية وسحنون من المالكية .     
 أدلة أصحاب هذا القول :
1- أنه حيوان يجوز الانتفاع به فأشبه الفهد.
2- أنه تجوز الوصية به والانتفاع به، فأشبه الحمار.
3- أنه مال فكان محلاً للبيع كالصقر. ([21])
سبب الخلاف :
سبب اختلافهم في الكلاب تعارض ظاهر الأدلة.     
الجواب على أدلة المجيزين لبيع الكلاب:
وأما الجواب عما احتجوا به من الأحاديث والآثار.
فقال النووي : كلها ضعيفة باتفاق المحدثين، وهكذا وضح الترمذي والدارقطني والبيهقي ضعفها.
وقال ابن القيم : أنه لا يصح عن النبي r استثناء كلب الصيد بوجه : أما حديث جابر t ، فقال الإمام أحمد وقد سئل عنه : هذا من الحسن بن أبي جعفر ، وهو ضعيف ، وقال الدارقطني : الصواب أنه
موقوف على جابر .
وقال الترمذي : لا يصح إسناد هذا الحديث .
وقال الترمذي في حديث أبي هريرة t: هذا لا يصح . أبو المُهَزِّم ضعيف([22]) .
وقال البيهقى:روى عن النبي r النهي عن ثمن الكلب جماعة ، منهم:ابن عباس،وجابر بن عبد الله،وأبو هريرة،ورافع بن خديج،وأبو جحيفة y،اللفظ مختلف،والمعنى واحد .
والحديث الذي روي في استثناء كلب الصيد لا يصح وكأن من رواه أراد حديث النهي عن اقتنائه ، فشبه عليه ، والله أعلم .
وعلى القول بأنه حسن لغيره بمجموع طرقه فإنه يصادم ما هو أصح منه.
ولو صح هذا الاستثناء لكان النهي عن ثمن الكلب من باب اللغو .
وقال ابن القيم:وأما الأثر عن علي t:ففيه حسين بن ضُمَيرة في غاية الضعف([23])،ومثل هذه الآثار الساقطة المعلولة لا تقدم على الآثار التي رواها الأئمة الثقات الأثبات،حتى قال بعض الحفاظ:إن نقلها نقل تواتر،وقد ظهر أنه لم يصح عن صحابي خلافها البتة ،بل هذا جابر ،وأبو هريرة،وابن عباس y
يقولون:ثمن الكلب خبيث .
قال ابن المنذر: لا معنى لمن جوز بيع الكلب المعلم، لأنه مخالف لما ثبت عن رسول الله r  .وقال ونهيه r عام يدخل فيه جميع الكلاب، وقال ولا يعلم خبر عارض الأخبار الناهية، يعني خبراً صحيحاً.
وقال البيهقي: الإسناد المذكور في كلب الصيد ليس ثابتاً في الأحاديث الصحيحة.
والجواب عن قياسهم على الفهد ونحوه:
1- أن النص فرق بينهما فالنبي r نهى عن ثمن الكلب ولا يصح أن تقاس سباع البهائم التي تصلح للصيد عليه، لدخولها في عموم قوله تعالى: ) وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ(  
2- أنها أخف ضرراً من الكلب، إذ إن الكلب إذا ولغ في إناء يجب أن يغسل سبعاً إحداها بالتراب، وغيره من السباع لا يجب التسبيع فيه ولا التتريب، فظهر الفرق وامتنع القياس.
والجواب عن قياسهم على الوصية:
أنها يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها،ولهذا تجوز الوصية بالمجهول والمعدوم والآبق.
والجواب على قولهم:إنه مال :
فلا نسلم صحة القياس لأنه قياس مع الفارق ؛ لأن الكلب وصف بكونه مالاً لوجود المنافع فيه كما يقولون ولكن هذه المنافع مقيدة فلا يصح وصفه بالمالية من كل وجه ولو أذن ببيعه لجاوز البائع محل الرخصة ولا يجوز ذلك.
ولو سلمنا فرضاً صحة القياس فإننا نقول هذا اجتهاد في مقابل النص ولا اجتهاد مع النص.
توجيه المجيزين لأدلة أصحاب القول الأول:
أما الأحاديث .
فتحمل على أن النهي كان في ابتداء الإسلام لأنهم كانوا قد ألفوا اقتناء الكلاب فأمروا بقتلها ونهي عن بيعها مبالغة في الزجر.
قال ابن القيم :هذه دعوى باطلة ليس مع مدعيها لصحتها دليل،ولا شبهة،وليس في الأثر ما يدل على صحة هذه الدعوى البتة بوجه من الوجوه،ويدل على بطلانها:أن أحاديث تحريم بيعها وأكل ثمنها مطلقة عامة كلها،وأحاديث الأمر بقتلها،والنهي عن اقتنائها نوعان:
نوع كذلك وهو المتقدم،ونوع مقيد مخصص وهو المتأخر،فلو كان النهي عن بيعها مقيداً مخصوصاً،لجاءت به الآثار كذلك فلما جاءت عامة مطلقة،علم أن عمومها وإطلاقها مراد،  فلا يجوز إبطاله . والله أعلم .
أما قولهم: إنه نجس العين .
فهذا ممنوع فإنه يباح الانتفاع به شرعاً على الإطلاق اصطياداً وحراسة ونجس العين لا يباح الانتفاع به شرعاً إلا في حالة الضرورة كالخنزير.
وأجيب عنه : بأنه لا يسلم لهم ذلك بل المنفعة مقيدة ولا يجوز تجاوزها إلى غيرها .
القول الراجح:
القول الراجح والله تعالى أعلم هو القول الأول ، وذلك لصحة دلالة النقل على ذلك.
حكم بيع السنور :
جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ قَالَ زَجَرَ النَّبِيُّ r عَنْ ذَلِكَ . ([24])
فاختلفوا في بيع السنور وقد ذهب إلى كراهة بيع السنور أبو هريرة وطاوس ومجاهد وأحمد في رواية.
وذهب الجمهور إلى جواز بيع السنور الأهلي إذا كان له نفع ؛لأنه طاهر منتفع به([25]) , ووجد فيه جميع شروط البيع بالخيار فجاز بيعه كالحمار والبغل .
وأجابوا عن الحديث من وجهين :
أحدهما: أن المراد الهرة الوحشية فلا يصح لعدم الانتفاع بها
والثاني : أن المراد نهي تنزيه , والمراد النهي على العادة بتسامح الناس فيه , ويتعاورونه في العادة .


([1]) الحُلْوَان : مصدر حَلَوْتُهُ حُلْوَانًا إذَا أَعْطَيْته , وأصله من الْحَلَاوَةِ شُبه بالشيء الحُلو من حيث إنه يؤخذ سهلا بلا كُلفة.
وأجمع العلماء على تحريم حُلوان الكاهن , والكاهن الذي يدعي علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن وهو شامل لكل من يدعي ذلك من منجم وَضَرَّابٍ بِالْحَصْبَاءِ ونحو ذلك فكل هؤلاء داخل تحت حكم الحديث ولا يحل له ما يعطاه ولا يحل لأحد تصديقه فيما يتعاطاه .
([2]) رواه البخاري ومسلم .
([3]) محمد بن مسلم الأسدي توفي سنة 126 هـ  .
([4]) السِّنَّوْرُ : الْهِرُّ  والأنثى سِنَّوْرَةٌ والجمع سَنَانِيرُ .
([5]) رواه مسلم .
([6]) رواه البخاري  .
([7]) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
([8]) كسب الحجام حلال عند الجمهور والنهي فيه محمول على التنزيه والترفع عن دنئ الأكساب .وقوله خبيث مثل تسمية الثوم والبصل .فتح الباري (4/377)
([9]) رواه مسلم .
([10]) رواه أبو داود قال النووي بإسناد صحيح وصححه الألباني.
([11]) وهو كُلُّ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ وَأَخَافَهُمْ .
([12]) رواه ابن حزم في المحلى  .
([13]) رواه الترمذي والبيهقي .
([14]) رواه الترمذي والنسائي .
([15]) رواه البيهقي والدارقطني .
([16]) رواه البيهقي .
([17]) رواه البيهقي وابن أبي شيبة والطحاوي  .
([18]) الضَّارِي : هُوَ الْمُعَلَّمُ لِلصَّيْدِ الْمُعْتَادِ لَهُ .
([19])الْقِيرَاطُ وَالْقِرَاطُ : مقدار قليل من الأوزان , وقد اختلف الفقهاء في مقداره اختلافاً يسيراً  .
والقيراط مقدار معلوم عند الله - تعالى - والمراد نقص جزء من عمله .
قال ابن حجر : واختلف في القيراطين المذكورين هنا هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة واتباعها فقيل بالتسوية وقيل اللذان في الجنازة من باب الفضل واللذان هنا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره .
([20]) رواه البخاري ومسلم .
([21]) والضابط عندهم : أن كل ما فيه منفعة تحل شرعاً، فإن بيعه يجوز، لأن الأعيان خلقت لمنفعة الإنسان بدليل قوله تعالى : ) خلق لكم ما في الأرض جميعاً( .
([22]) اسمه يزيد بن سفيان .وهو متروك .
([23]) كذبه مالك .وقال أبو حاتم : متروك الحديث كذاب .وقال أحمد لا يساوي شيئاً .وقال البخاري : منكر الحديث ضعيف .
([24]) رواه مسلم .
([25]) قال ابن المنذر : أجمعت الأمة على أن اتخاذه جائز 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق