مواضيع المدونة

أخبار العربية

الجمعة، 14 أكتوبر 2011

المحاضرة الخامسة من مقرر فقه 6


الشرط الثالث : أن تكون العين قابلة للبيع وذلك بأن تكون طاهرة منتفعاً بها غير محرمة.
يشترط في المعقود عليه ( الثمن والمثمن ) أن يكون طاهراً ،منتفعاً به،غير محرم.
فالأصل في الأعيان الطاهرة أنه يجوز بيعها . وأن كل ما صح نفعه صح بيعه إلا ما استثناه الشرع.

والدليل على ذلك حديث جابر t أنه سمع رسول الله r  يقول : ” إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ ([1]) بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ([2]) ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ “  . ([3])
وقوله r :” لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ “  ([4])
وقال في الخمر:”   إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا “ ([5]) .
وسوف يأتي تفصيل ذلك بإذن الله في الحديث عن الأعيان المحرمة البيع .
الشرط الرابع : أن تكون العين مملوكة للعاقد.
يشترط لصحة البيع أن تكون العين ( الثمن والمثمن )  مملوكة للعاقد ( البائع والمشتري ) أو من يقوم مقامه.ومما يدل على ذلك :
والدليل على هذا الشرط ما يلي:
1- قوله تبارك وتعالى: ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ(  ومعلوم أنه لا يوجد أحد يرضى أن يتصرف غيره في ماله ويبيعه.
2- عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فَقُلْتُ يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنْ الْبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي أَبْتَاعُ لَهُ مِنْ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ . ([6])
فقول النبي rلحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك»، فنهاه أن يبيع ما ليس عنده، والمراد ما ليس في ملكه أو ما ليس قادراً عليه .
3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ . ([7])
4- أنه لو جاز أن يبيع الإنسان ما لا يملك لكان في ذلك من العدوان والفوضى ما لا تستقيم معه حياة البشر، فلا يمكن أن يسلط الناس بعضهم على بعض في بيع أموالهم.
أما من يقوم مقام المالك فهم أربعة أصناف: الوكيل، والوصي، والناظر ، والولي، هؤلاء هم الذين يقومون مقام المالك.
فالوكيل : هو من أُذن له بالتصرف في حال الحياة، كرجل أعطى شخصاً سيارته، وقال: بعها، فهذا وكيل يصح أن يبيعها؛ لأنه قائم مقام المالك بالتوكيل .
الوصي : وهو من أمر له بالتصرف بعد الموت، مثل أن يوصي شخص بشيء من ماله إلى زيد، فهذا الموصى إليه يجوز أن يتصرف فيما وصي فيه بما يراه أصلح، وهو ليس بمالك، ولكنه قائم مقام المالك.
الناظر : هو الذي جعل على الوقف، أي: وكل في الوقف، مثل أن يقول رجل: هذا البيت وقف على الفقراء والمساكين، والناظر عليه فلان ابن فلان، فهذا ـ أيضاً ـ يصح تصرفه مع أنه ليس بمالك، لكنه قائم مقام المالك .
والولاية نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة ولاية الحكام، كالقضاة مثلاً، فإن لهم ولاية عامة على الأموال المجهول مالكها، وعلى أموال اليتامى إذا لم يكن لهم ولي خاص، وعلى غير ذلك.
أما الولاية الخاصة فهي الولاية على اليتيم من شخص خاص، كولاية العم على ابن أخيه اليتيم، وجعلنا هذا وليّاً ولم نجعله وكيلاً؛ لأنه استفاد تصرفه عن طريق الشرع، والوكيل والوصي والناظر عن الطريق الخاص بالمالك، أما الولي فولايته مستفادة من الشرع.
وعلى هذا، فإذا وكل إنسان إنساناً في بيع شيء فباعه صح، مع أن الوكيل ليس بمالك، ولكنه قائم مقام المالك، لكن يجب على الوكيل أن يتصرف بما يراه أصلح .
تنبيه :
إن قال قائل كيف الجمع بين هذا الشرط وما ورد عََنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ . ([8])
الجواب : إذا أراد الأب أن يبيع ملك ابنه فليتملكه أولاً ثم يبيعه ثانياً؛ لأنه قبل تملكه مِلْكٌ لابنه.
ومن المسائل المندرجة تحت هذا الشرط بيع الفضولي :
بيع الفضولي :
الفضولي لغة : من يشتغل بما لا يعنيه .
وفي الاصطلاح : من لم يكن ولياً ولا أصيلاً ولا وكيلاً في العقد .
وقيل: هو من يتصرف في حق الغير بغير إذن شرعي , كالأجنبي يزوج أو يبيع .
حكم بيع الفضولي :
اتفق الفقهاء رحمهم الله على صحة بيع الفضولي , إذا كان المالك حاضراً وأجاز البيع , لأن الفضولي حينئذ يكون كالوكيل . واتفقوا أيضا على عدم صحة بيع الفضولي إذا كان المالك غير أهل للإجازة , كما إذا كان صبياً وقت البيع .
ومحل الخلاف في بيع الفضولي إذا كان المالك أهلا للتصرف وبيع ماله وهو غائب , أو كان حاضراً وبيع ماله وهو ساكت , فهل يصح بيع الفضولي أو لا يصح ؟
القول الأول :
يصح بيع الفضولي إلا أنه موقوف على إجازة المالك ([9])وهو قول الحنفية والمالكية ,وقول الشافعية القديم, ورواية للحنابلة
أدلة أصحاب هذا القول :
1- قوله تعالى  : )  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى (
وفي بيعه وشرائه إعانة لأخيه المسلم .
2- عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ  أَنَّ النَّبِيَّ r أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ . ([10])
3- عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَاهَا بِدِينَارٍ وَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ فَرَجَعَ فَاشْتَرَى لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ إِلَى النَّبِيِّ r فَتَصَدَّقَ بِهِ النَّبِيُّ r وَدَعَا لَهُ أَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِي تِجَارَتِهِ . ([11])
فهذا رسول الله r أجاز هذا البيع , ولو كان باطلاً لرده , وأنكر على من صدر منه .
4- أن هذا تصرف تمليك , وقد صدر من أهله فوجب القول بانعقاده , إذ لا ضرر فيه للمالك مع تخييره , بل فيه نفعه , حيث يكفي مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن ( أي المطالبة ) وغيره ، وفيه نفع العاقد لصون كلامه عن الإلغاء , وفيه نفع المشتري لأنه أقدم عليه طائعاً .
القول الثاني :
لا يصح بيع الفضولي وهو قول الشافعية والحنابلة .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فَقُلْتُ يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنْ الْبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي أَبْتَاعُ لَهُ مِنْ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ . ([12])
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ . ([13])
فهذه الأحاديث تدل على أن بيع الفضولي باطل , لأنه تصرف بلا ملك ولا إذن ولا ولاية ولا وكالة .
 3- أنه باع ما لا يقدر على تسليمه فلم يصح , كبيع الآبق والسمك في الماء والطير في الهواء .
القول الراجح:
القول الراجح والله تعالى أعلم هو القول الأول .
و أما النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان فهو محمول على البيع النافذ وليس الموقوف على إذن المالك جمعاً بين الأدلة.
حكم تصرف الفضولي :
الفقهاء الذين يرون أن بيع الفضولي باطل مقتضى مذهبهم حرمة الإقدام على بيع الفضولي لأنه تسبب للمعاملات الباطلة .
أما من رأى صحته - وهم الحنفية والمالكية - فقد صرح المالكية بأن بيع الفضولي بلا مصلحة للمالك حرام , أما إن باع للمصلحة كخوف تلف أو ضياع فغير حرام , بل ربما كان مندوبا.
حكم شراء الفضولي :
أما الشراء , فإن منهم من يجيزه ويجعله موقوفاً على الإجازة كالبيع , ومنهم من لا يجعله كذلك , ومنهم من يذكر فيه تفصيلاً ([14]).
والأقرب والله تعالى أعلم في شراء الفضولي :أن تصرفه يصح مطلقاً إذا أجازه من تُصُرِّفَ له .
والدليل حديث عروة البارقي السابق فإن عروة t باع بدون إذن ، واشترى بدون إذن ، اشترى الشاة الثانية بنصف الدينار مع أن النبي r أمره أن يشتري شاة واحدة ، فحينئذٍ وقع شراء فضولي وباع الشاة الثانية التي هي بنصف دينار بدينار ، فوقع بيع فضولي ، فصار بيعاً وشراءً من فضولي ، فأقر النبي r  كلتا الصورتين فدّل على صحة بيع الفضولي وشرائه إذا أقره المالك الحقيقي .
أما إذا لم يجز لزم المشتري، فلا يملك المشتري أن يرده على البائع ويقول: أنا اشتريته لفلان، ولكنه لم يقبل، فالبائع له أن يرفض ويقول: أنت اشتريت مني على أنك أنت المشتري فيلزمك.
إلا إذا اشترط الفضولي بأن الشراء موقوف على إذن المشترى له ففي هذه الحالة له حق الرجوع على البائع 
وسوف يأتي الحديث عن بيع الإنسان ما ليس عنده في الحديث عن البيوع المنهي عنها . 
الشرط الخامس : القدرة على التسليم.
فلا يصح بيع مالا يقدر على تسليمه كبيع السمك في الماء والطير في الهواء ؛ لأن في ذلك غرراً ، وقد نهى النبي r عن بيع الغرر  ، ووجه كونه غرراً أن المعجوز عن تسليمه لا بد أن تنقص قيمته، وحينئذٍ إن تمكن المشتري من تسلُّمِه صار غانماً، وإن لم يتمكن صار غارماً، وهذا هو الغرر.
وسوف يأتي تفصيل ذلك بإذن الله في الحديث عن البيوع المنهي عنها . 
الشرط السادس : العلم بالمبيع .
يشترط لصحة البيع العلم بالمبيع ، حتى لا يكون من بيع الغرر ، والعلم المعتبر يتعلق بثلاثة أمور :
1- العلم بالعين وهو:ما يتميز به المعقود عليه عن غيره وذلك يحصـل بالتعريف باللسان أو بالإشارة .
2- العلم بالمقدار أي الوزن والكيل .
3- العلم بالصفات ، إن كان المبيع غائباً .
أسباب فساد البيوع:
1- تحريم عين المبيع.
2- الغرر .
3- الربا .
4- الشروط التي تؤول إلى الغرر أو الربا.


([1]) قال ابن حجر : قوله ” إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ “ هكذا وقع في الصحيحين بإسناد الفعل إلى ضمير الواحد وكان الأصل ((حرما)) فقال القرطبي : إنه تأدب فلم يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الاثنين ؛ لأنه من نوع ما رد به على الخطيب الذي قال ومن يعصهما كذا قال ....
([2]) جَمَلُوهُ : بفتح الجيم والميم : أي : أَذَابُوهُ , يقال : جَمَلَهُ إذَا أَذَابَهُ , وَالْجَمِيلُ : الشَّحْمُ الْمُذَابُ .
([3]) رواه البخاري ومسلم .
([4]) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه ابن القيم والألباني .
([5]) رواه مسلم .
([6]) رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حزم والألباني  .
([7]) رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي والألباني .
([8]) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
([9]) ولكل مذهب من المذاهب شروطاً يرجع إليها في كتبهم .
([10]) رواه البخاري .
([11]) رواه أبو داود والترمذي وضعفه الألباني .
([12]) رواه أصحاب السنن وأحمد وحسنه الترمذي وصححه ابن حزم والألباني  .
([13]) رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي والألباني .
([14]) ولكل مذهب من المذاهب شروطاً يرجع إليها في كتبهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق