مواضيع المدونة

أخبار العربية

الخميس، 6 أكتوبر 2011

المحاضرة الرابعة من مقرر فقه 6


الشرط الثاني : أن يكون العاقد أهلاً للبيوع .
العاقد هو البائع والمشتري، والمراد بالأهلية هنا أي الذي ينفذ تصرفه وهو من جمع خمسة أوصاف: أن يكون حرّاً ، بالغاً، عاقلاً، رشيداً غير محجور عليه.
فالأول: أن يكون حرّاً، وضده العبد، والعبد لا يصح بيعه ولا شراؤه إلا بإذن سيده؛ ووجه ذلك أن العبد لا يملك، فما في يد العبد ملك لسيده؛ والدليل على هذا قول النبي r : وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ “ ([1]) فالعبد لا يصح بيعه إلا بإذن سيده.

الثاني: أن يكون بالغاً، وضد البالغ الصبي وسيأتي الحديث عن حكم بيعه.
الثالث: أن يكون عاقلاً، وضده المجنون، فالمجنون لا يصح تصرفه .
الرابع: أن يكون رشيداً، والرشيد هو الذي يحسن التصرف في ماله، بحيث لا يبذله في شيء لا فائدة منه، كأن يبيع الشيء الذي يساوي مائة بعشرة، أو يشتري ما يساوي عشرة بمائة، فالمهم أنه يحسن التصرف، وضد الرشيد السفيه ؛ ولهذا لا يصح تصرف سفيه بغير إذن وليّ، فإن أذن له فلا بأس ، والولي هو من يتولى مال السفيه ولا يصح تصرف السفيه لأنه ليس برشيد ، وليس المراد بالسفيه غير العاقل .
وضابط السفيه : هو الذي لا يحسن الأخذ لنفسه، ولا يحسن الإعطاء لغيره .
وقيل هو الذي لا يحسن التصرف في ماله بطريقة تدل على أنه غير راشد فيحجر عليه .
الخامس: أن يكون غير محجوراً عليه . فالمحجور عليه لا يصح بيعه ولا شراؤه
الحجر لغة المنع . يقال : حجر عليه حجراً منعه من التصرف فهو محجور عليه .
وفي الاصطلاح : المنع من التصرفات المالية .
سواء أكان المنع قد شرع لمصلحة الغير كالحجر على المفلس للغرماء وعلى الراهن في المرهون لمصلحة المرتهن , وعلى المريض مرض الموت لحق الورثة في ثلثي ماله وغيرها , أم شرع لمصلحة المحجور عليه كالحجر على المجنون , والصغير , والسفيه .
ثم يتم النظر في هذا الشرط بمسألة وهي.
هل يشترط البلوغ لصحة بيع الصبي أم لا؟
اختلف العلماء رحمهم الله على قولين:
القول الأول
يصح تصرف الصبي المميز ([2]) بالبيع والشراء فيما أًذن له الولي فيه. وهو قول الحنفية والمالكية ورواية عند
الحنابلة هي المذهب.
أدلة أصحاب هذا القول:
1- قوله تعالى ) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ(
ومعناه : اختبروهم لتعلموا رشدهم، وإنما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء  ليعلم هل يغبن أو لا.     
2- أنه عاقل مميز محجور عليه فصح تصرفه بإذن وليه كالعبد.

القول الثاني

يشترط البلوغ لصحة بيع الصبي وهو قول الشافعية ورواية عند الحنابلة.
أدلة أصحاب هذا القول :
1- قوله تعالى : ) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا(.
والتصرف بالبيع والشراء في معنى إعطاء السفهاء المال لاستلزام البيع والشراء لبذل المال، والجامع بينهما نقص العقل المؤدي بكل منهما لإضاعة المال في غير طريقه الشرعي .
ونوقش : بأن عدم البلوغ لا يدل على عدم حسن التصرف وبهذا يفارق السفيه الذي لا يحسن التصرف
2- أنه غير مكلف فأشبه غير المميز.
ونوقش : بأنه يفارق غير المميز فإنه لا تحصل المصلحة بتصرفه لعدم تمييزه ومعرفته ولا حاجة إلى اختباره لأنه قد علم حاله.
3- أن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف لخفائه وتزايده تزايداً خفي التدريج فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة.
ونوقش : بأنه غير مسلم ؛ لأنه يعلم ذلك بآثار وجريان تصرفاته على وفق المصلحة كما يعلم في حق البالغ فإن معرفة رشده شرط دفع ماله إليه وصحة تصرفه كذا هاهنا.
القول الراجح:
القول الراجح والله تعالى أعلم هو القول الأول.
وعن الإمام أحمد أنه يصح تصرفهم ويكون موقوفاً على إجازة الولي ، وهذا القول فيه قوة .

تنبيه :
فإن قيل فكيف بالتعامل مع الآلة ، وكيف يتحقق شرط الرشد فيها ؟
انتشرت في هذه الأيام بعض الآلات كالتي تبيع المرطبات فكيف يتعامل معها الإنسان ؟
والجواب : أن التعامل هنا في الأساس مع الشركة التي وضعت الآلة ، وليست الآلة سوى وسيلة لقبض الثمن وتسليم المبيع  .
هل يجوز أن يتولى شخص واحد طرفي العقد؟
لهذه المسألة صور منها :
1- أن يوكله شخص في شراء سلعة ، فيشتريها الوكيل من نفسه، أو يوكله في بيع سلعة ، فيبيعها الوكيل  لنفسه.
2-  أن يوكله شخص في شراء سلعة - أرض مثلاً - و يوكله آخر في بيع أرضه، فيقوم الوكيل بإتمام الصفقة نيابة عن الموكلين .
ومن ذلك ما يقوم به السماسرة ([3]) كسماسرة العقار والأسهم .
وقد اختلف العلماء في حكم شراء الوكيل من نفسه و مثله (الوصي و الولي و الناظر على الوقف) على قولين:
القول الأول :
أن البيع صحيح بشرط أن تنتفي التهمة عن الوكيل بأن يعلم الموكل بذلك و يأذن به، أو يزيد الوكيل على ثمن السلعة في النداء، أي يشتريها بأحسن من ثمن مثلها أو يبيعها للموكل بأقل من ثمن مثلها وهو قول المالكية ([4]) ووجه عند الشافعية رواية عند الحنابلة ([5]) .
أدلة أصحاب هذا القول:
1- أن الأصل في البيوع الحل و لا دليل على تحريم هذه الصورة من البيع.
2- أنه قد يكون في شراء الوكيل من نفسه مصلحة للموكل، إذ قد لا تطلب السلعة بمثل الثمن الذي عرضه الوكيل.
القول الثاني :
أن البيع لا يصح. وهذا قول الأحناف ([6]) والشافعية ورواية عند الحنابلة، وعلى هذا القول لا يصح البيع و لو علم الموكل .
أدلة أصحاب هذا القول:
1- أن للبيع حقوقاً متعلقة به كالرد بالعيب و الخيارات و تستحيل أن تتوفر جميعها في الشخص في زمن واحد.
2- أن الفقهاء اشترطوا لانعقاد البيع تعدد العاقد، لأن حقوق العقد تعود إلى الوكيل فيؤدي بيعه من نفسه إلى أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلماً ومتسلماً مطالباً ومطالباً وهذا محال.
3- أنه يجتمع له في عقده غرضان, الاسترخاص لنفسه, والاستقصاء للموكل, وهما متضادان فتمانعا.
4- أن العرف في العقد أن يعقده مع غيره فحمل التوكيل عليه .
القول الراجح:
القول الراجح والله تعالى أعلم هو القول الأول ويتحقق إذن الموكل إما بالنص الصريح أو بالإذن العرفي، كما لو تعارف التجار على أن الوكيل سيبيع و يشتري من نفسه فهذا إذن عرفي . وذلك لما يأتي :
1- أن الموكل ليس له غاية إلا البيع بثمن المثل، أو بسعر السوق بغض النظر عن ماهية الشخص المشتري سواء كان الوكيل أو غيره،
2- أن العرف التجاري جرى على ذلك وعلى هذا عمل أكثر الناس اليوم على البيع والشراء لأنفسهم فيما وكلوا به؛ لأنه ليس من المعقول أن يوكل في شراء بعض الحاجيات من منتجاته ثم يشتريها لوكيله من عند غيره، وقد يساء ببضاعة الموكل الظن مما يسبب لها كساداً وإهمالاً.
و أما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيمكن أن يناقش بما يأتي :
1- أن التهمة والمحاباة تنتفي عن الوكيل إذا أذن الموكل أو زاد في ثمن السلعة .
2- أن كونه بائعا ومشتريا في آن واحد ممكن لأن الذمة تتبعض في الفقه الإسلامي


([1]) رواه البخاري ومسلم .
([2]) ينقسم الصبي بالنسبة إلى مرحلة صباه إلى قسمين :
صبي مميز , وصبي غير مميز . وضابط المميز : هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب , دون اعتبار للسن .
([3])السمسرة لغة : هي التجارة .
والسمسار لفظ أعجمي ، وكان كثير ممن يعالج البيع والشراء فيهم عجما ، فتلقوا هذا الاسم عنهم ، فغيره رسول الله r  إلى التجارة التي هي من الأسماء العربية .
فعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قَالَ كُنَّا نُسَمَّى فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r السَّمَاسِرَةَ فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ الْحَلِفُ وَاللَّغْوُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ ([3])
والسمسرة اصطلاحا : هي التوسط بين البائع والمشتري.
والسمسار هو : الذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطا لإمضاء البيع ، وهو المسمى الدلال ، لأنه يدل المشتري على السلع ، ويدل البائع على الأثمان.
حكم السمسرة :لا خلاف بين جمهور الفقهاء على أن ما يقوم به السمسار، من التوسط بين المتعاقدين على الأمور التي يشرع التعامل فيها، أمر مشروع .
([4]) قال الدسوقي في الحاشية : " وحاصله أن المنع مقيد بما إذا لم يكن شراؤه بعد تناهي الرغبات، وبما إذا أذن له ربه في البيع لنفسه، فإن اشترى الوكيل لنفسه بعد تناهي الرغبات أو أذن له الموكل في شرائه لنفسه جاز شراؤه حينئذومثل إذنه له في شرائه، ما لو اشتراه بحضرة ربه لأنه ماذون له حكما "
([5]) قال المرداوي في الإنصاف " قوله ( ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه ) . هذا المذهب . وعليه الجمهور ... وعنه : يجوز . كما لو أذن له , على الصحيح , إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء ...
تنبيه : محل الخلاف : إذا لم يأذن له . فإن أذن له في الشراء من نفسه جاز... وكذا الحكم في شراء الوكيل من نفسه للموكل . وكذا الحاكم وأمينه والوصي وناظر الوقف والمضارب كالوكيل ... " أ.هـ
([6])قال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق "وأشار المؤلف إلى منع بيعه من نفسه بالأولى، قال في البزازية: الوكيل بالبيع لا يملك شراءه لنفسه، لأن الواحد لا يكون مشتريا وبائعا فيبيعه من غيره ثم يشتريه منه. وإن أمره الموكل أن يبيعه من نفسه أو أولاده الصغار أو ممن لا تقبل شهادته فباع منهم جاز " أ.هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق