مواضيع المدونة

أخبار العربية

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

المحاضرة السابعة من مقرر فقه 6


قال ابن رشد رحمه الله " وأما القسم الثاني: وهي النجاسات التي تدعو الضرورة إلى استعمالها كالرجيع والزبل  الذي يتخذ في البساتين فاختلف في بيعها في المذهب فقيل بمنعها مطلقاً وقيل بإجازتها مطلقاً وقيل بالفرق بين العذرة والزبل أعني إباحة الزبل ومنع العذرة "
مقدمة للمسألة :
1- الزبل لغة : السرقين أو السرجين , وهو فضلة الحيوان الخارجة من الدبر .

ويستعمل بتسميد الأرض : والسماد ما يطرح في أصول الزرع من تراب وسرجين , ونحو ذلك ليجود نباته .
2- اتفق الفقهاء رحمهم الله على نجاسة الأسمدة المتخذة من رجيع الحيوانات التي لا يؤكل لحمها من غير الطيور.
3- ذهب جمهور الفقهاء رحمهم الله إلى القول بنجاسة الأسمدة المتخذة من ذرق الطيور مما لا يؤكل لحمها , وهي كل ذي مخلب كالغراب ([1]).
4- ذهب جمهور الفقهاء رحمهم الله إلى القول بطهارة الأسمدة المتخذة من رجيع الحيوانات التي يؤكل لحمها سواء من الطيور أو سائر الحيوانات وهو قول المالكية ([2]) والحنابلة وزفر من الحنفية ورواية عن محمد أيضا وقول عند الشافعية أيضاً ([3]) ,
حكم بيع النجاسات التي تدعو الحاجة إلى استعمالها :
 تحرير محل النزاع:
1- الزبل النجس.
2- أن تكون هناك حاجة إلى استعمالها وعند عدم الحاجة لا يجوز بيعها بالإجماع.
القول الأول:
لا يجوز بيعها وهو قول الجمهور ومنهم الشافعية والحنابلة وقول للمالكية ([4]) .
 أدلة أصحاب هذا القول :
1- قوله تعالى ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (.
وجه الاستشهاد : أن الآية حرمت أكل المال بالباطل .والزبل النجس دفع مال مقابل باطل،فكان بيعه من أكل المال بالباطل.
2- قوله r :” إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ “  ([5])
والزبل النجس داخل في وصفه من حيث أنه حرمه الشارع.
3- يحرم بيع الزبل النجس لاستصلاح النبات كما يحرم بيع أجزاء الميتة بجامع كون كل منهما نجس.
4- أنه نجس العين فلم يجز بيعه كالعذرة .
القول الثاني:
يجوز بيعها وهو قول الحنفية وبعض المالكية (ابن القاسم وابن الماجشون) .
أدلة أصحاب هذا القول:
1- الإجماع على أن الناس يتبايعون بالزبل النجس من سائر العصور دون نكير فكان هذا إجماعاً.
ونوقش : بأنه إجماع عوام لا يعتد به ([6]).
2- أن الحاجة داعية إلى استصلاح النبات بهذا الزبل وفي تحريم بيعه حرج ومشقة وهما منتفيان في الشريعة.
ونوقش : بأن  الحاجة مردودة بوجود البديل الطاهر وهو فضلة ما يؤكل لحمه.
3- أنه يجوز الانتفاع به , فجاز بيعه كسائر الأشياء .
ونوقش بأن جواز الانتفاع لا يدل على صحة البيع كالميتة  .
القول الثالث:
الفرق بين العذرة والزبل وهو قول بعض المالكية.
وجاء في منح الجليل : ورخصوا في الزبل للضرورة وهو يفيد أن العمل على بيع الزبل دون العذرة , وصرح به ابن لُبٍّ  وهو الذي به العمل عندنا للضرورة .
تعليل أصحاب هذا القول:
لوجود الضرورة .
القول الراجح:
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول بعدم الجواز وذلك لصحة دلالة النقل والعقل.
حكم أكل ثمرة ما سمد بالزبل النجس .
الصحيح من قولي العلماء أنه لا يجوز أكلها لأن النبي r  نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا ([7]).
الْجَلَّالَةُ : الدَّابَّةُ الَّتِي تَتْبَعُ النَّجَاسَاتِ وَتَأْكُلُ الْجَلَّةَ , وَهِيَ الْبَعْرَةُ وَالْعَذِرَةُ .
وقد ثبت طبياً ضرره .

قال ابن رشد رحمه الله: (( واختلفوا فيما يتخذ من أنياب ([8]) الفيل لاختلافهم هل هو نجس أم لا فمن رأى أنه ناب جعله ميتة ومن رأى أنه قرن معكوس جعل حكمه حكم القرن والخلاف فيه في المذهب ))
حكم طهارة ناب الفيل :
القول الأول :
أنه نجس مطلقاً وهو الصحيح عند الشافعية ، والمذهب عند الحنابلة , وقول محمد بن الحسن من الحنفية.
أدلة أصحاب هذا القول:
1- قوله تعالى : )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ( .
والعظم من جملتها , فيكون محرماً , والفيل لا يؤكل لحمه فهو نجس على كل حال .
2- قوله تعالى ) قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّل مَرَّةٍ (
فهو يدل على أن العظم تحله الحياة  وما يحيا فهو يموت .
3- أن العاج المتخذ من عظم الفيل نجس لأن عظمه نجس , وسواء أخذ العظم من الفيل وهو حي أو وهو ميت , لأن ما أبين من حي فهو ميت , وسواء أخذ منه بعد ذكاته أو بعد موته .
القول الثاني :
أنه طاهر مطلقاً وهو قول الحنفية - غير محمد بن الحسن - وهو قول ابن وهب من المالكية وهو طريق عند الشافعية , وهو رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية.
أدلة أصحاب هذا القول:
1- قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : ) قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى
 طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ (  , أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا . ([9])
2- عَنْ أَنَسٍ t أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ  . ([10])
3- عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ r أن رَسُولَ اللَّهِ r قال يَا ثَوْبَانُ اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلَادَةً مِنْ عَصَبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ . ([11])
قال الخطابي : الْعَاجُ الذَّبْل وَهُوَ ظَهْرُ السُّلَحْفَاءِ الْبَحْرِيَّة ([12]).
وقال أبو علي البغدادي : العرب تسمي كل عظم عاجاً .
القول الثالث :
أن الفيل إن ذُكي فعظمه طاهر , وإلا فهو نجس  وهو قول المالكية في المشهور ووجه شاذ للشافعية.
تعليل أصحاب هذا القول:
أنه يجوز أكله .
ونوقش بعدم التسليم بجواز أكله فعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ([13]) . والفيل أعظمها ناباً .
القول الراجح:
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول بالنجاسة وعلى ذلك فلا يصح بيعه.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : "عظم الميتة – أي القول بطهارته -على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أحد القولين في المذهب ، ويُستَدَلُّ لذلك: بأنَّ العظم وإن كان يتألَّم ويحسُّ لكنه ليس فيه الحياة الكاملة، ولا يحُلُّه الدَّم، وليس له حياة إلا بغيره، فهو يشبه الظُّفر والشَّعر وما أشبه ذلك، وليس كبقية الجسم. ويُقال أيضاً: إِنَّ مدار الطَّهارة والنَّجاسة على الدَّم؛ ولهذا كان ما ليس له نَفْسٌ سائلة طاهراً.
ولكن الذي يظهر أن المذهب في هذه المسألة هو الصَّواب؛ لأن الفرق بين العظم وبين ما ليس له نَفْسٌ سائلة أن الثاني حيوان مستقل، وأما العظم فكان نجساً تبعاً لغيره؛ ولأنَّه يتألّم فليس كالظُّفر أو الشَّعر، ثم إِن كونه ليس فيه دم محلُّ نظر؛ فإِن الظّاهر أن فيه دماً كما قد يُرى في بعض العظام".


([1]) وفي رواية الكرخي أنه طاهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافاً لمحمد . واستدلوا لطهارته بأنه ليس لما ينفصل من الطيور نتن وخبث رائحة .  ولا ينحى شيء من الطيور عن المساجد فعرفنا أن فضلة الجميع طاهرة .
([2]) قيد المالكية طهارة سماد ما يؤكل لحمه بعدم أكله للنجاسات , فإن أكل نجسا فسماده نجس عندهم أيضا.
([3]) والمذهب عند الشافعية وفي رواية عن أحمد أن رجيع جميع الحيوانات , سواء المأكولة  لحومها أم غير المأكولة من طيور أو غيرها نجس . وذهب الحنفية إلى مثل ذلك ما عدا زفر ومحمدا إلا أنهم استثنوا ذرق ما يؤكل لحمه من الطيور لعموم البلوى وعدوه من المعفو عنه.
([4]) قال الحطاب : واعلم أن القول بالمنع هو الجاري على أصل المذهب في المنع من بيع النجاسات , والقول بالجواز لمراعاة الضرورة
([5]) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه ابن القيم والألباني .
([6]) ذكره الماوردي وابن قدامة
([7]) انظر الأحاديث في إرواء الغليل (8/149-151).
([8]) النَّابُ مِنْ الْأَسْنَانِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي الرَّبَاعِيَاتِ وَالْجَمْعُ أَنْيَابٌ  قَالَ ابْنُ سِينَا وَلَا يَجْتَمِعُ فِي حَيَوَانٍ نَابٌ وَقَرْنٌ مَعًا .
([9]) رواه الدار قطني  وفي إسناده ضعف .
([10]) رواه البيهقي  وفي إسناده ضعف .
([11]) رواه أبو داود .وضعفه الشيخ الألباني .
([12]) قال ابن حجر وفيه نظر وقال :أنكر الخليل أن يسمى غير ناب الفيل عاجاً .
([13]) رواه البخاري ومسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق