مواضيع المدونة

أخبار العربية

الاثنين، 26 سبتمبر 2011

المحاضرة الأولى من مقرر فقه 2


الجملة الثالثة من كتاب الصلاة
وهي معرفة ما تشتمل عليه من الأقوال والأفعال
وفيه تسعة أبواب :
الباب الأول: في صلاة المنفرد وفيه فصلان :
الفصل الأول: في أقوال الصلاة:
التكبير في الصلاة .
التكبير في اللغة : التعظيم , كما في قوله تعالى : ) وَرَبَّك فَكَبِّرْ (  أي فعظم .
التكبير في الصلاة ينقسم إلى : تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال .

تكبيرة الإحرام .
تكبيرة الإحرام هي : قول المصلي لافتتاح الصلاة " الله أكبر " أو كل ذكر يصير به شارعاً في الصلاة .
وسميت التكبيرة التي يدخل بها الصلاةَ تكبيرةَ الإحرام لأنها تحرم الأشياء المباحة التي تنافي الصلاة .
وسبب تسميتها بذلك ظاهر السنة، فإن النبي r قال كما في حديث أبي داود والحاكم بسندٍ صحيح: (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ)، فوصف التكبير بكونه موجباً للدخول في حرمات الصلاة، فسمّى العلماء هذا التكبير بتكبيرة الإحرام؛ لأن المصلّي إذا كبر دخل في حرمات الصلاة.
الحكمة من افتتاح الصلاة بالتكبيرة
هي تنبيه المصلي على عظم مقام من قام لأداء عبادته من وصفه بأنواع الكمال وأن كل ما سواه حقير وأنه جل عن أن يكون له شبيه من مخلوق فانٍ , فيخضع قلبه وتخشع جوارحه .
حكم تكبيرة الإحرام
اختلف العلماء رحمهم الله في تكبيرة الإحرام على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
إن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة وهو قول الجمهور .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ . ([1])
فدل على أن التكبير كالقراءة .
2- أنه يشترط لها ما يشترط للصلاة من استقبال القبلة والطهارة وستر العورة وهي أمارة الركنية .
3- أنه لا يجوز أداء صلاة بتحريمة صلاة أخرى ولولا أنها من الأركان لجاز كسائر الشروط .
القول الثاني :
إن تكبيرة الإحرام شرط من شروط الصلاة وليست من نفس الصلاة وهو قول الحنفية والبعض قيده بالكرخي وهو وجه عند الشافعية .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- قوله تعالى : ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ( [الأعلى:15]
فَعَقَّبَ الذِّكْرَ بِالصَّلَاةِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا .
ونوقش : أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَ خِلَافِ الْمُخَالِفِ .
وقال بعض المفسرين إن المراد بقوله تعالى:) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ( أي: زكاة الفطر ليلة العيد ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (  أي: أكثر من التكبير ليلة العيد فصلّى صلاة العيد .
2- عن عَلِي t أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ . ([2])
وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُضَافَ غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ , كَدَارِ زَيْدٍ .
ونوقش : بأَنَّ الْإِضَافَةَ ضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا : تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ كَثَوْبِ زَيْدٍ .
الثَّانِي : تَقْتَضِي الْجُزْئِيَّةَ كَقَوْلِهِ : رَأْسُ زَيْدٍ , وَصَحْنُ الدَّارِ , فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَاهُ من الأدلة.
3- أن تكبيرة الإحرام لا تتكرر كتكرار الأركان في كل صلاة كالركوع والسجود .
ونوقش : بأنه قياس يخالف النص .
القول الثالث :
إن تكبيرة الإحرام سنة من سنن الصلاة وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والحكم والزهري والأوزاعي
فقالوا : من نسي تكبيرة الافتتاح , أجزأته تكبيرة الركوع .
قال ابن عبد البر: "وقد روي عن مالك في المأموم ما يدل على هذا القول ولم يختلف قوله في الإمام والمنفرد أن تكبيرة الإحرام واجبة على كل واحد منهما وأن الإمام إذا لم يكبر للإحرام بطلت صلاته وصلاة من خلفه وهذا يقضي على قوله في المأموم .
والصحيح في مذهبه إيجاب تكبيرة الإحرام وأنها فرض ركن من أركان الصلاة وهو الصواب وكل من خالف ذلك فمخطئ محجوج بما وصفنا" . الاستذكار ج1/ص419
دليل أصحاب هذا القول :
الْقِيَاسُ عَلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ .
ونوقش بأَنَّهُمَا لَيْسَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى النُّطْقِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ .
قال النووي : " وتظهر فائدة الخلاف فيما لو كبر وفي يده نجاسة ثم ألقاها في أثناء التكبيرة , أو شرع في التكبيرة قبل ظهور زوال الشمس ثم ظهر الزوال قبل فراغها فلا تصح صلاته عندنا في الصورتين , وتصح عنده كستر العورة ".
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول الأول .
فوائد :
1-             الأخرس ينوي بها بقلبه لأن تحريك اللسان والشفتين ليس مقصوداً بذاته .
2-             لا يشترط أن يُسمع نفسه بل يكفي الإتيان بالحروف وإن لم يسمعها وكذا كل ذكر واجب
3-             يكره تمطيط التكبير ولو لم يتغير المعنى ؛ لأنه لم يرد في السنة .
ما يجزئ من لفظ التكبير:
لا خلاف بين الفقهاء في انعقاد الصلاة بقول المصلي ( الله أكبر ) ثم اختلفوا فيما عداه من ألفاظ التعظيم هل يقوم مقامه ؟
القول الأول :
إن الصلاة لا تنعقد إلا بقول ( الله أكبر ) وهو قول المالكية والحنابلة .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- قوله r للمسيء صلاتَه : إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ .
وكبر معناها: قل: الله أكبر. وهو المعهود في أذكار الشرع في الدخول إلى الصلاة .
2- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ([3])
3- قوله r : تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ ([4]) .
4- عن رِفَاعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ ثُمَّ يَقُولَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ([5]) .
5- أن النبي r كان يفتتح الصلاة بقوله : الله أكبر ولم ينقل عنه العدول عن ذلك حتى فارق الدنيا . وهذا يدل على أنه لا يجوز العدول عنه .
القول الثاني :
إن الزيادة التي لا تمنع اسم التكبير : كقولك ( الله الأكبر ) لا تضر وهو قول الشافعية .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- أنه لفظ يدل على التكبير وعلى زيادة مبالغة في التعظيم وهو الإشعار بالتخصيص فصار كقوله الله أكبر من كل شيء .
نوقش من وجهين :
1- بأنه عدول عن المنصوص , فأشبه ما لو قال : الله العظيم .
2- أنه نقله عن التنكير إلى التعريف , وكان متضمناً لإضمار أو تقدير . فزال , فإن قوله " الله أكبر " التقدير : من كل شيء . ولم يرد في كلام الله تعالى , ولا في كلام رسوله r ولا في المتعارف في كلام الفصحاء إلا هكذا , فإطلاق لفظ التكبير ينصرف إليها دون غيرها , كما أن إطلاق لفظ التسمية ينصرف إلى قول " بسم الله " دون غيره , وهذا يدل على أن غيرها ليس مثلا لها .
القول الثالث :
صحة الشروع في الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا غير مثل أن يقول : الله أكبر الله الأكبر , الله الكبير , الله أجل , الله أعظم , أو يقول : الحمد لله أو سبحان الله , أو لا إله إلا الله , وكذلك كل اسم ذكر مع الصفة نحو أن يقول : الرحمن أعظم , الرحيم أجل , سواء كان يحسن التكبير أو لا يحسن وهو قول أبي حنيفة ([6]) ومحمد بن الحسن .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- قوله تعالى : ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (
فالمراد منه ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة لأنه عَقَّبَ الصلاةَ الذكرَ بحرف يوجبُ التعقيبَ بلا فصل , والذكر الذي تتعقبه الصلاة بلا فصل هو تكبيرة الافتتاح , فقد شرع الدخول في الصلاة بمطلق الذكر
فلا يجوز التقييد باللفظ المشتق من الكبرياء بأخبار الآحاد .
ونوقش : أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَ خِلَافِ الْمُخَالِفِ .
2- أن التكبير هو التعظيم فكل لفظ دل على التعظيم وجب أن يكون الشروع به.
ونوقش : أَنَّهُ قِيَاسٌ يُخَالِفُ السُّنَّةَ , وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ : اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي
3- أن أبا العالية سئل بأي شيء كان الأنبياء يفتتحون الصلاة ؟ قال بالتوحيد والتسبيح والتهليل .
القول الرابع :
لا يصير شارعاً إلا بألفاظ مشتقة من التكبير وهي ثلاثة : الله أكبر , الله الأكبر , الله الكبير([7]) , إلا إذا كان لا يحسن التكبير أو لا يعلم أن الشروع بالتكبير وهو قول أبي يوسف .
دليل أصحاب هذا القول :
قوله r : تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ .
وهو حاصل بقولنا الله الكبير ولأنه بمعناه .
ونوقش بأن قوله r : تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ . فمحمول على المعهود وهو الله أكبر .
وأما قوله : إنه بمعناه فممنوع ; لأن في الله أكبر مبالغة وتعظيماً ليس في غيره .
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول الأول .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله : وقوله: «الله أكبر» أي: بهذا اللفظ: «الله أكبر» فلا يُجزئُ غيرها، ولو قام مقامها، كما لو قال: «الله الأجلُّ، أو الله أجلُّ، أو الله أعظمُ» أو ما شابه ذلك، إنه لا يُجزئُ؛ لأن ألفاظَ الذِّكر توقيفية ؛ يُتوقَّفُ فيها على ما وَرَدَ به النصُّ، ولا يجوز إبدالها بغيرها؛ لأنها قد تحمل معنًى نظنُّ أنَّ غيرَها يحملُه، وهو لا يحملُه .


([1]) رواه مسلم .
([2]) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه النووي والألباني .
([3]) رواه مسلم  .
([4]) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه النووي والألباني .
([5]) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه الألباني .
([6])قال ابن نجيم :" ثُمَّ غَايَةُ مَا هُنَا أَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَلَفْظُ التَّكْبِيرِ ثَبَتَ بِالْخَبَرِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يُكْرَهَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِ لِمَنْ يُحْسِنُهُ كَمَا قُلْنَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَعَ الْفَاتِحَةِ , وَفِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ التَّعْدِيلِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَهَذَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ , وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِلْمُوَاظَبَةِ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِتَرْكٍ , فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَ النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِافْتِتَاحُ بِغَيْرِ ( اللَّهُ أَكْبَرُ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ ; لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ التَّرْكِ فَعَلَى هَذَا يَضْعُفُ مَا صَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , وَنَبِيُّنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْمُرَادُ غَيْرُ نَبِيِّنَا r بِدَلِيلِ نَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَنْهُ عَلَى لَفْظِ التَّكْبِيرِ وَيَضْعُفُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ أَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ وَاجِبَةٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْكُلِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ السَّرَخْسِيِّ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي الْكَافِي" .
([7]) هذا اللفظ يخالف قول الشافعية   .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق