مواضيع المدونة

أخبار العربية

السبت، 24 سبتمبر 2011

المحاضرة الثانية من مقرر فقه 5


شروط الطلاق :
يشترط لصحة الطلاق لدى الفقهاء شروط موزعة على أطراف الطلاق الثلاثة ، فبعضها يتعلق بِالْمُطَلِّقِ ، وبعضها بِالْمُطَلَّقَةِ ، وبعضها بِالصِّيغَةِ  :

الشروط المتعلقة بالمطلق :
يشترط في المطلق ليقع طلاقه على زوجته صحيحا شروط ، هي :
الشرط الأول : أن يكون زوجاً :
والزوج : هو من بينه وبين المطلقة عقد زواج صحيح .
فغير الزوج لا يصح منه الطلاق، إلا أن يقوم مقام الزوج بوكالة فلا بأس، فلو طلق امرأة قبل أن يتزوجها فلا يصح .
الشرط الثاني : البلوغ :
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق الصغير مميزا أو غير مميز ، مراهقا أو غير مراهق، أذن له بذلك أم لا ، أجيز بعد ذلك من الولي أم لا ؛ لأن الطلاق ضرر محض ، فلا يملكه الصغير ولا يملكه وليه ، ولقول النبي r : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل ([1]) .
وخالف الحنابلة في الصبي الذي يعقل الطلاق ، فقالوا : إن طلاقه واقع على أكثر الروايات عن الإمام أحمد . أما من لا يعقل فوافقوا الجمهور في أنه لا يقع طلاقه .
الشرط الثالث : العقل :
ذهب الفقهاء إلى عدم صحة طلاق المجنون والمعتوه ([2]) لفقدان أهلية الأداء في الأول ، ونقصانها في الثاني ، فألحقوهما بالصغير غير البالغ ، فلم يقع طلاقهما لما تقدم من الأدلة .
وهذا في الجنون الدائم المطبق ، أما الجنون المتقطع ([3])، فإن حكم طلاق المبتلى به منوط بحاله عند الطلاق ، فإن طلق وهو مجنون لم يقع ، وإن طلق في إفاقته وقع لكمال أهليته . وقد ألحق الفقهاء بالمجنون النائم ، والمغمى عليه ،وذلك لانعدام أهلية الأداء لديهم ولقوله r رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ . . . وقوله r : لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي إِغْلاَقٍ ([4])
وكذلك من زال عقله بالبنج مثل: إنسان بنج للدواء، وفي حال البنج طلق زوجته فلا يقع طلاقه؛ لأنه معذور، وكذلك من زال بالخرف، كعجوز وصل إلى التخريف والهذر ، فلا يقع طلاقه؛ لأنه لا عقل له .
فالحاصل أنه إذا زال العقل بعذر شرعي، أو بعذر عادي كالنوم، أو بعذر طارئ كالمرض فإنه لا يقع الطلاق.
وأما السكران ، فإن كان غير متعد بسكره ، كما إذا سكر مضطرا ، أو مكرها أو بقصد العلاج الضروري إذا تعين بقول طبيب مسلم ثقة ، أو لم يعلم أنه مسكر ، لم يقع طلاقه بالاتفاق ، لفقدان العقل لديه كالمجنون دون تعد ، هذا إذا غاب عقله أو اختلت تصرفاته، وإلا وقع طلاقه .
وإن كان متعديا بسكره ، كأن شرب الخمرة طائعا بدون حاجة ، فقد اختلف الفقهاء في وقوع طلاقه في هذه الحالة على قولين :
القول الأول :
وقع طلاقه وهو قول الجمهور رغم غياب عقله بالسكر .
واستدلوا : بأن الصحابة جعلوا السكران كالصاحي في الحد بالقذف .
وبأن هذا أنكى له وأزيد في عقوبته، وربما لا يردعه عن شرب الخمر إلا الخوف من هذا الأمر، فيكون في ذلك مصلحة الردع .
القول الثاني:
عدم وقوع طلاقه ، وهي المذهب عند الحنابلة ، وهو قول عند الحنفية أيضاً اختاره الطحاوي والكرخي ، وقول عند الشافعية ، وقد روي ذلك عن عثمان t وهو مذهب عمر بن عبد العزيز ، والقاسم ، وطاوس ، وربيعة ، وغيرهم .
واستدلوا : بأنه فاقد العقل كالمجنون والنائم ، وبأنه لا فرق بين زوال العقل بمعصية أو غيرها، بدليل أن من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعدا ، وأن امرأة لو ضربت بطن نفسها فنفست ، سقطت عنها الصلاة  .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله : إن السكران لا يقع طلاقه؛ لأنه إذا أثم عوقب على إثمه، لكن إذا تكلم بدون عقل، فكيف نلزمه بمقتضى كلامه وهو لا يعقله؟! فهذا يخالف قول الرسول r: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، فإن هذا السكران حينما تكلم وقال: أنت طالق، ما نوى، فهذا لا يقع طلاقه، وكونه آثماً له عقوبة خاصة وهي التعزير بالجلد، أما التعزير باعتبار كلامه مع عدم عقله، فهذا زيادة، ولا يجوز أن نزيد على العقوبة التي جاءت بها السنة ...  وهذا القول أصح، وهو الذي رجع إليه الإمام أحمد رحمه الله . وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول بطلاق السكران حتى تبينه ـ يعني تأمله ـ وتبين له أنه لا يقع، وقال: إني إذا قلت: يقع، أتيت خصلتين، حرمتها عليه وأحللتها لغيره، وإذا قلت: لا يقع فإنما أتيت خصلة واحدة وهي أنني أحللتها له، فعلى هذا يكون مذهب الإمام أحمد شخصياً أنه لا يقع، أما مذهبه الاصطلاحي فإنه يقع، لكن لا شك أن هذا أصح دليلاً وأظهر، كما قاله صاحب الإنصاف.
الشرط الرابع : القصد والاختيار :
المراد به هنا : قصد اللفظ الموجب للطلاق من غير إجبار .
وقد اتفق الفقهاء على صحة طلاق الهازل ، وهو : من قصد اللفظ ، ولم يرد به ما يدل عليه حقيقة أو مجازاً .
قال ابن قدامة : " قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية , بل يقع من غير قصد , ولا خلاف في ذلك . ولأن ما يعتبر له القول يكتفي فيه به , من غير نية , إذا كان صريحاً فيه , كالبيع . وسواء قصد المزح أو الجد ; لقول النبي r : ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ ([5]) .
قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم , على أن جد الطلاق وهزله سواء"
وذلك لأن الطلاق ذو خطر كبير باعتبار أن محله المرأة ، وهي إنسان ، والإنسان أكرم مخلوقات الله تعالى ، فلا ينبغي أن يجري في أمره الهزل ، ولأن الهازل قاصد للفظ الذي ربط الشارع به وقوع الطلاق ، فيقع الطلاق بوجوده مطلقاً .
أما المخطئ ، والمكره ، والغضبان ، والسفيه ، والمريض ، فقد اختلف الفقهاء في صحة طلاقهم على التفصيل التالي :
أولاً : المخطئ :
المخطئ هنا : من لم يقصد التلفظ بالطلاق أصلا ، وإنما قصد لفظا آخر ، فسبق لسانه إلى الطلاق من غير قصد ، كأن يريد أن يقول لزوجته : يا جميلة ، فإذا به يقول لها خطأ : يا طالق وهو غير الهازل ، لأن الهازل قاصد للفظ الطلاق ، إلا أنه غير قاصد للفرقة به .
وقد اختلف الفقهاء في حكم طلاق المخطئ .
القول الأول :
ذهب الجمهور إلى عدم وقوع طلاقه قضاء وديانة ، هذا إذا ثبت خطؤه بقرائن الأحوال، فإذا لم يثبت خطؤه وقع الطلاق قضاء ، ولم يقع ديانة ، وذلك لقول النبي r : إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ([6])
ولا يقاس حاله على الهازل ؛ لأن الهازل ثبت وقوع طلاقه على خلاف القياس بالحديث الشريف المتقدم ، وما كان كذلك فلا يقاس غيره عليه .

القول الثاني :
ذهب الحنفية إلى أن طلاق المخطئ واقع قضاء ، ثبت خطؤه أم لا ، ولا يقع ديانة([7])، وذلك لخطورة محل الطلاق ، وهو المرأة ، ولأن في عدم إيقاع طلاقه فتح باب الادعاء بذلك بغير حق للتخلص من وقوع الطلاق وهو خطير ، وذريعة يجب سدها .
ثانيا ً: المكره :
الإكراه هنا معناه : حمل الزوج على الطلاق بأداة مرهبة .
اتفق الفقهاء على أنه إذا أكره على الطلاق بحق ، كالمولي إذا انقضت مدة الإيلاء بدون فيء فأجبره القاضي على الطلاق فطلق ، فإنه يقع بالإجماع .واختلفوا في وقوع طلاق المكره بغير حق على قولين :
القول الأول :
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق المكره إذا كان الإكراه شديدا ، كالقتل ، والقطع ، والضرب المبرح ، وما إلى ذلك ، وذلك لحديث النبي r : لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي إِغْلاَقٍ ([8])  ولقوله r : إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ولأنه منعدم الإرادة والقصد ، فكان كالمجنون والنائم ، فإذا كان الإكراه ضعيفا ، أو ثبت عدم تأثر المكره به ، وقع طلاقه لوجود الاختيار .
القول الثاني :
ذهب الحنفية إلى وقوع طلاق المكره مطلقاً ؛ لأنه مختار له بدفع غيره عنه به ، فوقع الطلاق لوجود الاختيار .
ثالثاً : الغضبان :
الغضب : حالة من الاضطراب العصبي ، وعدم التوازن الفكري ، تحل بالإنسان إذا عدا عليه أحد بالكلام أو غيره . والغضب لا أثر له في صحة تصرفات الإنسان القولية ، ومنها الطلاق ، إلا أن يصل الغضب إلى درجة الدهش ، فإن وصل إليها لم يقع طلاقه ، لأنه يصبح كالمغمى عليه . والمدهوش هو : من غلب الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته بسبب غضب اعتراه .
فإذا غضب الإنسان على زوجته وطلقها في حال الغضب، فإن الطلاق يقع؛ لأن الغضبان له قول معتبر، ولهذا قال النبي r : لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ([9]) .ومعنى ذلك أن حكمه معتبر، وإلا لما كان للنهي محل، فالحكم نافذ مع الغضب بنص السنة، ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ r فِي شِرَاجِ ([10]) الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحْ ([11]) الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ r فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلزُّبَيْرِ أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ ([12]) رَسُولِ اللَّهِ r ثُمَّ قَالَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ ([13]) .فهنا نفذ الحكم مع الغضب، فإذا نفذ الحكم مع الغضب وهو بين الناس، فالحكم بين الإنسان وبين زوجته من باب أولى، فيقع طلاق الغضبان.
وقسم ابن القيم الغضب أقساماً ثلاثة نقلها عنه ابن عابدين وعلق عليها فقال :
طلاق الغضبان ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يحصل له مبادئ الغضب بحيث لا يتغير عقله ، ويعلم ما يقول ويقصده ، وهذا لا إشكال فيه .
الثاني : أن يبلغ النهاية ، فلا يعلم ما يقول ولا يريده ، فهذا لا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله .
الثالث : من توسط بين المرتبتين بحيث لم يصر كالمجنون ، فهذا محل النظر والأدلة تدل على عدم نفوذ أقواله ([14]).
ثم قال ابن عابدين : والذي يظهر لي أن كلا من المدهوش والغضبان لا يلزم فيه أن يكون بحيث لا يعلم ما يقول ، بل يكتفى فيه بغلبة الهذيان واختلاط الجد بالهزل كما هو المفتى به في السكران . . ثم قال : فالذي ينبغي التعويل عليه في المدهوش ونحوه : إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته ، فما دام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله وإن كان يعلمها ويريدها ، لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن إدراك صحيح كما لا تعتبر من الصبي العاقل .
رابعاً : السفيه :
السفه : خفة في العقل تدعو إلى التصرف بالمال على غير وفق العقل والشرع  .
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع طلاق السفيه ؛ لأنه مكلف مالك لمحل الطلاق ، ولأن السفه موجب للحجر في المال خاصة ، وهذا تصرف في النفس ، وهو غير متهم في حق نفسه ، فإن نشأ عن طلاق السفيه آثار مالية كالمهر فهي تبع لا أصل .
وخالف عطاء ، وقال بعدم وقوع طلاق السفيه.
خامساً : المريض :
المرض إذا أطلق في عرف الفقهاء انصرف إلى مرض الموت غالباً ، إلا أن ينص فيه على غيره .
وقد اتفق الفقهاء على صحة طلاق المريض مطلقاً ، سواء أكان مرض موت أم مرضاً عادياً ، ما دام لا أثر له في القوى العقلية ، فإن أثر فيها دخل في باب الجنون والعته وغير ذلك مما تقدم . إلا أن المريض مرض موت بخاصة إذا طلق زوجته المدخول بها في مرضه بغير طلب منها أو رضاً طلاقاً بائناً ، ثم مات وهي في عدتها من طلاقه هذا ، فإنه يعد فارا من إرثها حكماً ، وترث منه رغم وقوع الطلاق عليها عند جمهور الفقهاء .
وقيد الحنفية ذلك بما إذا لم تطلب الطلاق البائن ، فإذا طلبت هذا الطلاق فلا ترث .
وخالف الشافعية ؛ وقالوا بعدم إرث البائنة ، أما المعتدة من طلاق رجعي فترث بالاتفاق .
أما المريض بغير مرض الموت وكذلك غير المريض فلا يتأتى في طلاقهما الفرار من الإرث.


([1]) أخرجه أحمد والحاكم من حديث عائشة ، وصححه ووافقه الذهبي
([2]) عرف ابن عابدين المعتوه بقوله : هو القليل الفهم ، المختلط الكلام ، الفاسد التدبير ، لكن لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون .
([3]) الجنون المتقطع هو الذي يغيب فترة عن صاحبه ثم يعود إليه ، سواء كان ذلك بنظام أو لا
([4]) أخرجه أحمد والحاكم من حديث عائشة ، وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بإعلاله لضعف أحد رواته
([5]) أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة وحسنه وكذلك حسنه الألباني ، ونقل الزيلعي في نصب الراية عن ابن القطان تعليله بجهالة أحد رواته
([6]) أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث ابن عباس واللفظ لابن ماجه ، وصحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي .
([7]) قضاء أي: عند المحاكمة، فإن رافعته وحاكمته للقاضي،فلا يقبل؛ لأن ما يدعيه خلاف ظاهر لفظه؛ لأن القاضي إنما يحكم بالظاهر .
وديانة إذا لم تحاكمه وصدقته ووكلت الأمر إلى دينه فيما بينه وبين الله فإنه يقبل .
([8]) أخرجه أحمد والحاكم من حديث عائشة ، وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بإعلاله لضعف أحد رواته
([9]) أخرجه البخاري ومسلم  من حديث أبي بكرة
([10]) الشِرَاج  : جَمْع شَرْج مِثْل بَحْر وَبِحَار وَيُجْمَع عَلَى شُرُوج أَيْضًا , وَالْمُرَاد بِهَا هُنَا مَسِيل الْمَاء , وَإِنَّمَا أُضِيفَتْ إِلَى الْحَرَّة لِكَوْنِهَا فِيهَا .
([11]) سَرِّحْ : فِعْل أَمْر مِنْ التَّسْرِيح أَيْ أَطْلِقْهُ .
وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاء كَانَ يَمُرّ بِأَرْضِ الزُّبَيْر قَبْل أَرْض الْأَنْصَارِيّ فَيَحْبِسهُ لِإِكْمَالِ سَقْي أَرْضه ثُمَّ يُرْسِلهُ إِلَى أَرْض جَاره , فَالْتَمَسَ مِنْهُ الْأَنْصَارِيّ تَعْجِيل ذَلِكَ فَامْتَنَعَ .
([12]) فَتَلَوَّنَ : أَيْ تَغَيَّرَ , وَهُوَ كِنَايَة عَنْ الْغَضَب
([13]) الْجَدْر : هُوَ الْمُسَنَّاة , وَهُوَ مَا وُضِعَ بَيْن شَرَبَات النَّخْل كَالْجِدَارِ , وَقِيلَ الْمُرَاد الْحَوَاجِز الَّتِي تَحْبِس الْمَاء .
وقوله : حَتَّى يَرْجِع إِلَى الْجَدْر: أَيْ يَصِير إِلَيْهِ .
([14]) قال الشيخ العثيمين رحمه الله : وعلى هذا فيكون الطلاق غير واقع، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم في كتابه «إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان» وذكر ستة وعشرين وجهاً تدل على عدم وقوعه.
فالقول بعدم وقوع طلاق الغضبان نظرياً هو القول الراجح، لكن عملياً وتربوياً هل نقول بالفتوى به، أو نمنع الفتوى به إلا في حالات معينة نعرف فيها صدق الزوج؟ الثاني؛ لأننا لو أطلقنا القول بأن طلاق الغضبان لا يقع لَكَثُرَ من يقول: أنا غضبت وطلقت، وهو لا يفرق بين الدرجة الأولى والدرجة الثانية فيقع التلاعب، ولهذا فإطلاق الفتوى بعدم وقوع الطلاق من الغضبان يؤدي إلى أن يتتابع الناس في الطلاق، فإذا رأى الإنسان من الزوج أنه رجل مستقيم لا يمكن أن يتهاون فحينئذٍ يتوجه القول بالفتوى أنه لا يقع الطلاق، وإذا رأى أنه متهاون يريد أن ترجع إليه زوجته بأي سبيل، فهنا ينبغي أن يفتى بوقوع الطلاق، وهذا من باب سياسة الخلق، والسياسة لها شأن عظيم في الشريعة الإسلامية حتى في الأمور الحسية، فربما نمنع هذا الرجل من أكل هذا الطعام المعين وهو حلال؛ لأنه يضره، ولا نمنع الآخر لأنه لا يضره.

هناك تعليق واحد:

  1. بالتوفيق يا دكتور محاضرة جيدة ونافعة

    ردحذف