مواضيع المدونة

أخبار العربية

الخميس، 22 سبتمبر 2011

المحاضرة الثانية من مقرر فقه 6


كتاب البيع
مشروعية البيع:
والأصل فيه: الكتاب،والسنة،والإجماع .
أما الكتاب:فقوله تعالى : )  وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَاْ  (.
وقوله تعالى: ) إِلآ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ  ( .
وأما السنة: فستأتي على حسب مسيس الحاجة في التفاصيل .
وأما الإجماع:فمنعقد على ثبوت أصله،وإنما الاختلاف في تفصيله.

الحكمة من مشروعية البيع :
إن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، وصاحبه لا يبذله بغير عوض، ففي تشريع البيع طريق إلى تحقيق كل واحد غرضه ودفع حاجته،والإنسان مدني بالطبع، لا يستطيع العيش بدون التعاون مع الآخرين.
تعريف البيع:
البـيع لغـة: مقابلة شيء بشيء . ومنه قوله تعالى : ) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ( .
وهو من أسماء الأضداد التي تطلق على الشيء وعلى ضده.مثل الشراء ومنه قوله تعالى:)  وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ( .
وسمي بيعاً ؛ لأن كلا المتبايعين يمد باعه إلى الآخر.
واصطلاحاً: مبادلة المال بالمال تمليكاً وتملكاً.
أو : مبادلة مال بمال لغرض التملك .
شرح التعريف :
المبادلة : مفاعلة من البدل وهو العوض .
المراد بالمال عند الجمهور:كل ماله قيمة ويُلزم مُتْلِفَهُ بضمانه.
أو : ما يباح نفعه بلا حاجة .
وعند الحنفية:كل ما يمكن حيازته وإحرازه وينتفع به عادة.
وبذلك يظهر الخلاف بين الجمهور والحنفية في مالية المنافع .
المنافع : جمع منفعة . ومن أمثلتها عند الفقهاء : سكنى الدار ولبس الثوب وركوب الدابة .
وقد اختلف الفقهاء في ماليتها على قولين :
القول الأول :
أن المنافع أموال بذاتها وهو قول جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة ؛ لأن الأعيان لا تقصد لذاتها , بل لمنافعها , وعلى ذلك أعراف الناس ومعاملاتهم . ولأن الشرع قد حكم بكون المنفعة مالاً عندما جعلها مقابلة بالمال في عقد الإجارة , وهو من عقود المعاوضات المالية , وكذا عندما أجاز جعلها مهراً في عقد النكاح , ولأن في عدم اعتبارها أموالاً تضييعاً لحقوق  الناس وإغراء للظلمة في الاعتداء على منافع الأعيان التي يملكها غيرهم , وفي ذلك من الفساد والجور ما يناقض مقاصد الشريعة وعدالتها.
القول الثاني :
أن المنافع ليست أموالاً متقومة في حد ذاتها , وهو قول الحنفية ؛ لأن صفة المالية للشيء إنما تثبت بالتمول , والتمول يعني صيانة الشيء وادخاره لوقت الحاجة , والمنافع لا تبقى زمانين , لكونها أعراضاً فكلما تَخْرُجُ من حيز العدم إلى حيز الوجود تتلاشى , فلا يتصور فيها التمول . غير أن الحنفية يعتبرون المنافع أموالاً متقومة إذا ورد عليها عقد معاوضة , كما في الإجارة , وذلك على خلاف القياس , وما كان على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس .
القول الراجح :
القول الراجح والله تعالى أعلم هو القول الأول . ([1])
إذاً المال يشمل: النقود وغيرها من الإبل والبقر والغنم.
فقد ورد في حديث أبي هريرة t في قصة الأبرص والأقرع والأعمى :”  … فَقَالَ أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْإِبِلُ ... قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ ... قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ ...
فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ “  ([2])
والمال قد يكون معيناً : وهو  إذا تم تحديد الشيء ورؤيته عياناً.كقولك: أبيعك هذه النسخة من كتاب بداية المجتهد.
وقد يكون في الذمة: وهو إذا تم وصف الشيء دون رؤيته فهو يتعلق بالذمة.كقولك: أبيعك نسخة من كتاب بداية المجتهد.أي نسخة مبهمة غير محدد .
فالبيع إما أن يكون: ( معيناً بمعين - ذمة بذمة - معيناً بذمة ).
وله أنواع إما أن يكون نسيئة من الطرفين أو ناجزاً منهما أو ناجزاً من أحدهما نسيئة من الآخر.
الناجز : هو الذي يكون بمثابة النقد أو العاجل كقولك:بعتك هذا بهذا الآن. أي أنجز البيع الآن.
النسيئة : هو التأخير كقولك: بعتك هذا بهذا غداً .
وعلى هذا فإن البيوع لا تخرج عن هذه الصور وهي :

معين بمعين
ذمة بذمة
معين بذمة
1
ناجزاً من الطرفين
4
ناجزاً من الطرفين
7
ناجزاً من الطرفين
2
ناجزاً من أحدهما
5
ناجزاً من أحدهما
8
ناجزاً من أحدهما
3
نسيئة من الطرفين
6
نسيئة من الطرفين
9
نسيئة من الطرفين


قال ابن رشد رحمه الله : " إن كل معاملة وجدت بين اثنين فلا يخلو أن تكون عيناً بعين، أو عيناً بشيء في الذمة ، أو ذمة بذمة ، وكل واحد من هذه الثلاث إما نسيئة وإما ناجز، وكل واحد من هذه أيضاً إما ناجز من الطرفين ، وإما نسيئة من الطرفين، وإما ناجز من الطرف الواحد نسيئة من الطرف الآخر، فتكون أنواع البيوع تسعة .

فأما النسيئة من الطرفين فلا يجوز بإجماع لا في العين ولا في الذمة؛ لأنه الدين بالدين المنهي عنه "
أقسام المال :
قسم الفقهاء رحمهم الله المال تقسيمات كثيرة بحسب الاعتبارات الفقهية المتعددة , ومن ذلك تقسيمهم للمال  بالنظر إلى إمكان نقله وتحويله إلى قسمين : منقول , وعقار .
فالمال المنقول : هو كل ما يمكن نقله وتحويله . فيشمل النقود والعروض والحيوانات والمكيلات والموزونات وما أشبه ذلك .
والعقار : هو ما له أصل ثابت لا يمكن نقله وتحويله . كالأراضي والدور ونحوها .
وقد اختلف الفقهاء في البناء والشجر الثابت , هل يعتبران من العقار أم المنقول ؟
فذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أنهما من العقار .
وقال الحنفية : يعتبران من المنقولات , إلا إذا كانا تابعين للأرض , فيسري عليهما حينئذ حكم العقار بالتبعية .
تمليكاً وتملكاً : تمليكاً بالنسبة لما يعطي وتملكاً بالنسبة لما يأخذ ، بائعاً كان أو مشترياً .



تقسيم البيع :
للبيع تقسيمات عديدة باعتبارات مختلفة منها :
أولاً : تقسيم البيع باعتبار موضوع المبادلة:
1- مبادلة مثمن بمثمن ويسمى المقايضة .كمبادلة العسل بالسمن
2- مبادلة ثمن بثمن ويسمى الصرف .كمبادلة الريال بالدولار
3- مبادلة ثمن بمثمن وهو البيع المطلق .كمبادلة الكتاب بالريال
ثانياً : تقسيم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن :
ينقسم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن إلى ثلاثة أنواع هي :
1- بيع المساومة : وهو البيع الذي لا يُظهر فيه البائع رأس ماله كقوله أبيعك الكتاب بعشرين،فالبائع لم يحدد رأس المال ولا الربح،بل يضع سعراً محدداً،ويكون فيه نوعاً من المساومة،وهذا هو الأصل في البيوع
2- بيع المزايدة : وهو أن يعرض البائع سلعته في السوق ويتزايد المشترون فيها,فتباع لمن يدفع الثمن الأكثر.وهو ما يعرف بين الناس بـ (( بيع الحراج )) 
3- بيوع الأمانة : وهي التي يذكر فيها البائع رأس ماله ثم يحدد الثمن بمثل رأس المال , أو أزيد , أو أنقص . وسميت بيوع الأمانة , لأنه يؤتمن فيها البائع في إخباره برأس المال , وهي ثلاثة أنواع :
أ- بيع المرابحة : وهو البيع الذي يحدد فيه الثمن بزيادة على رأس المال .كقوله رأس المال ألف ريال وأنا أريد خمسين ريالاً ربحاً أو بنسبة زيادة كذا عن رأس المال .
ب- بيع التولية , وهو البيع الذي يحدد فيه رأس المال نفسه ثمناً بلا ربح ولا خسارة كقوله اشتريتها بتسعين وسأبيعها لك برأسمالها .
ج- بيع الوضيعة , أو الحطيطة , أو النقيصة : وهو بيع يحدد فيه الثمن بنقص عن رأس المال , أي بخسارة كقوله رأس المال ألف ريال وأنا أحط عنك خمسين ريالاً أو بنسبة خصم كذا عن رأس المال.
ثالثاً : تقسيم البيع باعتبار تسليم المعقود عليه :
ينقسم البيع بهذا الاعتبار إلى :
1 - منجز المثمن والثمن , وهو الأصل في البيع .
2 - مؤجل الثمن , وهو ما يشترط فيه تأجيل الثمن .وهو بيع الأجل ومنه بيع التقسيط .
3 - مؤجل المثمن , وفي الغالب يراد به بيع السلم , وهو مبادلة الدين بالعين , أو بيع شيء مؤجل بثمن معجل . وتفصيله في باب السلم.
4 - مؤجل المثمن والثمن, وهو بيع الدين بالدين وبيع الكالئ بالكالئ وهو ممنوع في الجملة .
أركان البيع :
عند الجمهور: لا بد للعقد من :
1- المعقود به أو الصيغة ( الإيجاب والقبول أو ما في معنى الصيغة ).
2- العاقد ( البائع والمشتري)
3- المعقود عليه (الثمن والمثمن )
فالجمهور ( المالكية والشافعية والحنابلة ) يرون أن هذه كلها أركان البيع ؛ لأن الركن عندهم : ما توقف عليه وجود الشيء وتصوره عقلاً , سواء أكان جزءاً من حقيقته أم لم يكن , ووجود البيع يتوقف
على العاقدين والمعقود عليه , وإن لم يكن هؤلاء جزءاً من حقيقته .
ويرى الحنفية : أن الركن في عقد البيع وغيره : هو الصيغة فقط .

أما العاقدان والمحل فمما يستلزمه وجود الصيغة لا من الأركان ؛ لأن ما عدا الصيغة ليس جزءاً من حقيقة البيع , وإن كان يتوقف عليه وجوده .

بعض الأحكام المتعلقة بالصيغة .
أما العقد في صورته فهو: الإيجاب والقبول وهو قول البائع:بعت.وقول المشتري: اشتريت. أو ما يقوم مقامه من صرائح الألفاظ.
فالمقصود منه:الإعراب عمّا في الضمير من الرضا بالتمليك والتملك، والعبارة أمارة دالة عليه، دافعة للاحتمالات المثيرة للنزاع، فهذا هو الفقه في اعتبار الإيجاب والقبول.
والإيجاب عند الجمهور:هو ما صدر ممن يكون منه التمليك وإن جاء متأخراً .
والقبول: هو ما صدر ممن يصير له الملك وإن صدر أولاً.
أما عند الحنفية فالإيجاب : إثبات الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أولاً من كلام أحد المتعاقدين
 سواء وقع من البائع كبعت ، أو من المشتري كأن يبتدئ المشتري فيقول : اشتريت بكذا.
والقبول :ما ذكر ثانياً من كلام أحد المتعاقدين.
فالمعتبر إذاً أولية الصدور وثانويته فقط سواء أكان من جهة البائع أم من جهة المشتري.
ويشترط لصحة الإيجاب والقبول:
1-             أن يكون في مجلسه .
2-             ألا يتشاغلا عنه بما يقطعه .
3-             أن يطابق القبول الإيجاب . ([3])
الضابط في انعقاد العقود : تنعقد المعاملة بما يدل عليها من قولٍ أو فعلٍ .
فتنعقد هذه المعاملات بما دل عليه العرف من قولٍ أو فعل من غير اشتراط لفظٍ معين أو فعلٍ  معين ، بل كل ما أدى معنى البيع , لأن الشارع لم يخصه بصيغة معينة , فيتناول كل ما أدى معناه ، ويكون ذلك خاضعاً للأعراف واختلافها من بلدٍ إلى بلد ويعتبر على الخصوص عرف التجار فيما بينهم في هذه المعاملة .



([1]) قال علي حيدر : " وَلَكِنْ جَوَّزَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَأَخِّرُونَ تَضْمِينَ مَنَافِعِهَا اسْتِحْسَانًا لِمَا رَأَوْهُ مِنْ طَمَعِ النَّاسِ فِي أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ وَالْأَيْتَامِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (36) مَتْنًا وَشَرْحًا وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ فُقَهَاءَنَا الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ أَخَذُوا فِي جَوَازِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ دُونَ أَقْوَالِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَلِلْمَنَافِعِ قِيمَةٌ كُبْرَى فِي هَذَا الزَّمَانِ كَمَا لَوْ أَنْشَأَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ قَصْرًا لِلِاصْطِيَافِ وَكَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ السَّنَوِيِّ لِهَذَا الْقَصْرِ سَبْعِينَ جُنَيْهًا فَانْتَهَزَ شَخْصٌ آخَرَ غِيَابَ صَاحِبِ الْقَصْرِ وَسَكَنَهُ مُدَّةَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ غَصْبًا فَعَلَى رَأْيِ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ أَجْرٌ أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيَلْزَمُهُ وَبِمَا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ فِي مَالِ الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ فَيَجِبُ عَلَى فُقَهَاءِ عَصْرِنَا هَذَا أَنْ يَتَشَاوَرُوا وَيَتَّخِذُوا قَرَارًا بِخُصُوصِ قَبُولِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي عُمُومِ مَنَافِعِ الْأَمْوَالِ " درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج1/ص585
([2]) رواه البخاري ومسلم .
([3]) قال الحنفية : إن القبول المخالف للإيجاب يكون إيجاباً جديداً .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق