مواضيع المدونة

أخبار العربية

الخميس، 29 سبتمبر 2011

المحاضرة الثانية من مقرر فقه 2


تكبيرات الانتقال :
حكمة مشروعية تكبيرات الانتقال :
الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع هي أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير , وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة , فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية ([1]).

عدد تكبيرات الانتقال :
قال النووي : ( اعلم ) : أن الصلاة الرباعية يشرع فيها اثنتان وعشرون تكبيرة , منها خمس تكبيرات في كل ركعة أربع للسجدتين والرفعين منها , والخامسة للركوع فهذه عشرون , وتكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام من التشهد الأول , وأما الثلاثية : فيشرع فيها سبع عشرة سقط منها تكبيرات ركعة وهن خمس وأما الثنائية : فيشرع فيها إحدى عشرة للركعتين وتكبيرة الإحرام.
حكم تكبيرات الانتقال :
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم تكبيرات الانتقال على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
إن تكبيرات الانتقال واجبة تبطل الصلاة بتركها عمداً وتسقط سهواً أو جهلاً وتجبر بسجود السهو وهو قول الحنابلة وإسحاق بن راهويه وقال داود: كل التكبير فرض .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- عن أَبَي هُرَيْرَةَ t قال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ . ([2])
والحديث فيه إثبات التكبير في كل خفض ورفع إلا في رفعه من الركوع , فإنه يقول : سمع الله لمن حمده
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . ([3])
قال الترمذي : حديث عبد الله بن مسعود حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أصحاب النبي r منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ومن بعدهم من التابعين وعليه عامة الفقهاء والعلماء .
3- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ([4])
4- عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ r قال : إِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ يَعْنِي مَوَاضِعَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ ([5])
وهذا نص في وجوب التكبير .
5- أن الأصل أن تكون كل أفعاله التي أتت بياناً لواجب محمولة على الوجوب لقوله r صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي . والمراد بالرؤية العلم أي صلوا كما عَلِمْتُمُونِي أُصَلِّي
ونوقشت :
بأن الأحاديث التي تثبت التكبير في كل خفض ورفع محمولة على الاستحباب .
القول الثاني :
إن تكبيرات الانتقال سنة وهو قول الحنفية والمالكية([6]) والشافعية ورواية عند الحنابلة .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- حديث المسيء في صلاته , فإن النبي r علمه صلاته , فعلمه واجباتها , فذكر منها تكبيرة الإحرام ولم يذكر تكبيرات الانتقال وهذا موضع البيان ووقته ولا يجوز التأخير عنه .
ونوقش من وجهين :
أ- بأنه قد أخرج تكبيرة النقل في حديث المسيء أبو داود من حديث " رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ " المتقدم, وأخرجها الترمذي والنسائي ([7]).
ب- أن النبي r لم يعلمه كل الواجبات , بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام , ويحتمل أنه اقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه , ولا يلزم من التساوي في الوجوب التساوي في الأحكام , بدليل واجبات الحج . ([8])
2- عَنْ عبد الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ . ([9])
قَالَ أَبُو دَاوُد مَعْنَاهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ لَمْ يُكَبِّرْ وَإِذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ لَمْ يُكَبِّرْ
ونوقش : من وجهين :
 أحدها:أنه ضعيف ; لأن راويه الحسن بن عمران ليس معروفاً  .
الثاني:أنه محمول على أنه لم يسمع التكبير , وقد سمعه غيره ممن ذكرنا فقدمت رواية المثبت. ([10])
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ r . ([11])
4- عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ t قَالَ أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلَاةَ النَّبِيِّ r لَا أُمَّ لَكَ . ([12])
وَفي رواية قَالَ : صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : إنَّهُ أَحْمَقُ : فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ r ([13])
5- عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ r أَوْ قَالَ لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ r ([14])
فهذه الآثار تدل على أن العمل عند الصحابة y إنما كان على عدم إتمام التكبير ولذلك كان أبو هريرة t يقول إني لأشبهكم صلاة بصلاة رسول الله r وقال عمران قد ذكرني هذا بصلاته صلاة محمد r
قال ابن حجر : " قال ابن بطال : ترك النكير على من ترك التكبير يدل على أن السلف لم يتلَقَّوه على أنه ركن من الصلاة وأشار الطحاوي إلى أن الإجماع استقر على أن من تركه فصلاته تامة وفيه نظر لما تقدم عن أحمد والخلاف في بطلان الصلاة بتركه ثابت في مذهب مالك إلا أن يريد إجماعاً سابقاً ([15]).
ونوقش : بأن الأحاديث تدل على محافظة الصحابة y على التكبير ، وإن ترك التكبير وقع في آخر عصر الصحابة ومما يدل على ذلك :
1- قال ابن حجر عند شرحه لحديث علي t المتقدم : " قوله (ذَكَّرَنِي ) فيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك ... ولأحمد من وجه آخر عن مطرف قال قلنا يعني لعمران بن حصين يا أبا نُجَيْدٍ هو بالنون والجيم مصغر مَنْ أَوَّلُ من ترك التكبير ؟ قال عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر.
وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية .
وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد .
وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زياداً تركه بترك معاوية وكأن معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء " ([16]).
2- قال النووي : في شرحه لحديث أبي هريرة t في التكبير " فيه إثبات التكبير في كل خفض ورفع إلا في رفعه من الركوع فإنه يقول سمع الله لمن حمد وهذا مجمع عليه اليوم ومن الأعصار المتقدمة وقد كان فيه خلاف في زمن أبي هريرة وكان بعضهم لا يرى التكبير إلا للإحرام وبعضهم يزيد عليه بعض ما جاء في حديث أبي هريرة وكان هؤلاء لم يبلغهم فعل الرسول  r ولهذا كان أبو هريرة يقول إني لأشبهكم صلاة برسول الله r واستقر العمل على ما في حديث أبي هريره هذا " ([17]).
6- أنه لو كانت واجبة لم تسقط بالسهو كالأركان .
ونوقش بأن الواجبات تبطل الصلاة بتركها عمداً وتسقط سهواً أو جهلاً وتجبر بسجود السهو فهي تخالف حكم الأركان والسنن .
القول الثالث :
إنه لا يشرع إلا تكبيرة الإحرام فقط , ولا يكبر غيرها , وهو قول سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري .
دليل أصحاب هذا القول :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ : t  أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ  رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَكَذَا .
وتقدمت مناقشة الدليل وأضاف أصحاب القول الثاني : لعله ترك التكبيرات أو نحوها لبيان الجواز .
القول الراجح :
الذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم هو القول الأول .
هل يجب على الإمام أن يكبر تكبيراً مسموعاً يسمعه من خلفه ؟
يجب على الإمام أن يكبر تكبيراً مسموعاً يسمعه من خلفه وذلك لما يأتي :
1- فعل النبي r .
2- أن أبا بكر t كان يبلغ خلف النبي r .
3- أنه لا يتم الاقتداء به إلا بسماع التكبير وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .


([1]) فتح الباري 2/270
([2]) رواه البخاري ومسلم .
([3]) رواه الترمذي والنسائي صححه الترمذي والألباني .
([4]) رواه البخاري ومسلم .
([5]) رواه أبو داود وصححه الألباني .
([6]) ويرى المالكية أنه لا يسجد لترك تكبيرة واحدة ويسجد لترك تكبيرتين وتبطل الصلاة بتعمد ترك ثلاث تكبيرات .
([7]) انظر : سبل السلام ج1/ص179.
([8]) انظر : المغني ج1/ص298
([9]) رواه أبو داود وأحمد وضعفه الطبري والنووي والألباني .
([10]) انظر : المجموع ج3/ص353
([11]) رواه البخاري ومسلم .
([12]) رواه البخاري ومسلم .
([13]) رواه البخاري  .
([14]) رواه البخاري ومسلم .
([15]) انظر : فتح الباري ج2/ص 271
([16]) انظر : فتح الباري ج2/ص 270
([17]) انظر : شرح النووي على صحيح مسلم ج4/ص98

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق