مواضيع المدونة

أخبار العربية

السبت، 24 سبتمبر 2011

المحاضرة الأولى من مقرر فقه 5


كتاب الطلاق

تعريف الطلاق :
الطلاق في اللغة : الحل ورفع القيد ، وهو اسم مصدره التَّطْلِيقُ ، ويستعمل استعمال المصدر ، وأصله : طَلُقَتِ الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ فَهِيَ طَالِقٌ بدون هاء ، وروي بالهاء ( طالقة ) إذا بانت من زوجها ، وجمع طَالِقٍ طُلَّقٌ ، وَطَالِقَةٌ تُجْمَعُ عَلَى طَوَالِقَ ، وإذا أكثر الزوج الطلاق كان مِطْلاَقًا وَمِطْلِيقًا .

والطلاق في الاصطلاح هو : حل قيد النكاح أو بعضه في الحال أو المآل بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه .
شرح التعريف :
((حل قيد النكاح أو بعضه )) أي إن كان الطلاق بائناً فهو حل لقيد النكاح كله، وإن كان رجعياً فهو حل لبعضه، ولهذا إذا طلق مرة نقص فيبقى له طلقتان، وإذا طلق ثنتين بقي له واحدة .
((في الحال أو المآل )) أي أنواع الطلاق من حيث وقت وقوع الأثر الناتج عنه وهي على ثلاثة أنواع : منجز ، ومعلق على شرط ، ومضاف إلى المستقبل . وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله .
((بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه )) أي أنواع الطلاق من حيث الصيغة المستعملة فيه على نوعين : صريح وكنائي. وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله .
والطلاق لا يكون إلا بعد نكاح صحيح ؛ لأنه حل قيد النكاح، فقبل النكاح لا طلاق، وقد اتفق الفقهاء على أن محل الطلاق الزوجة في زوجية صحيحة ، حصل فيها دخول أم لا ، فلو كان الزواج باطلاً أو فاسداً ، فطلقها ، لم تطلق ، لأن الطلاق أثر من آثار الزواج الصحيح خاصة .
والأصل في الطلاق أنه ملك الزوج وحده ، وقد يقوم به غيره بإنابته ، كما في الوكالة والتفويض ، أو بدون إنابة ، كالقاضي في بعض الأحوال .
الحكم التكليفي للطلاق :
اتفق الفقهاء على أصل مشروعية الطلاق ، واستدلوا على ذلك بأدلة ، منها :
1 - قوله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }([1]).
2 - قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ([2]).
3- قَوْل الرَّسُول r : مَا أَحَل اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاَقِ. ([3])
4 - حَدِيثُ عُمَرَ t أَنَّ رَسُول اللَّهِ r طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ([4]).
5 - حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي حَيْضِهَا ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ r بِارْتِجَاعِهَا ثُمَّ طَلاَقِهَا بَعْدَ طُهْرِهَا ، إِنْ شَاءَ ([5]).
والأصل في الطلاق الكراهة، والدليل قوله تعالى في الذين يؤلون من نسائهم {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }، ففي الطلاق قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }، وهذا فيه شيء من التهديد، لكن في الفيئة قال: { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فدل هذا على أن الطلاق غير محبوب إلى الله عزّ وجل، وأن الأصل الكراهة .
واتفق الفقهاء رحمهم الله على أنه تعتريه الأحكام ؛ فيكون مباحا أو مندوبا أو مستحباً أو واجباً،كما يكون مكروهاً أو حراماً، وذلك بحسب الظروف والأحوال التي ترافقه ، بحسب ما يلي : -
1 - فيكون واجبا كالمولي إذا أبى الفيئة إلى زوجته بعد التربص ، على مذهب الجمهور ، أما الحنفية : فإنهم يوقعون الفرقة بانتهاء المدة حكما ، وكطلاق الحكمين في الشقاق إذا تعذر عليهما التوفيق بين الزوجين ورأيا الطلاق ، عند من يقول بالتفريق لذلك .
كذلك يجب عليه أن يطلق إذا اختلَّت عفة المرأة ولم يمكنه الإصلاح، فلو كانت المرأة ـ والعياذ بالله ـ تفعل الفاحشة وهو لا يستطيع أن يمنعها، فإنه يجب عليه أن يطلق، فإن لم يفعل صار ديوثاً.
2 - ويكون مندوبا إليه إذا فرطت الزوجة في حقوق الله الواجبة عليها - مثل الصلاة ونحوها - وكذلك يندب الطلاق للزوج إذا طلبت زوجته ذلك للشقاق .
3- ويكون مستحباً إذا رأى أن الزوجة متضررة فإنه يستحب أن يطلقها، ولو كان راغباً فيها، كما لو فرض أن المرأة لما تزوجها أصابها مرض نفسي، كما يقع كثيراً ـ نسأل الله العافية ـ وضجرت وتعبت، ولا استقامت الحال مع زوجها، وهو يحبها، نقول هنا: يستحب أن تطلقها لما في ذلك من الإحسان إليها بإزالة الضرر عنها.
4 - ويكون مباحا عند الحاجة إليه لدفع سوء خلق المرأة وسوء عشرتها ، أو لأنه لا يحبها. والدليل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ، ولم يقل: يا أيها النبي لا تطلقوا النساء، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] ، وإعمالاً للقاعدة الفقهية أن المكروه يزول عند الحاجة، وهذا من حكمة الله عزّ وجل .
5 - ويكون مكروها إذا لم يكن ثمة من داع إليه مما تقدم من عدم الحاجة، فمع استقامة الحال يكره، وقد ذكرنا أن قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فيه الإيماء والتنبيه على أن الطلاق مكروه عند الله.
ولما يترتب على الطلاق من تشتت الأسرة، وضياع المرأة وكسر قلبها، لا سيما إذا كان معها أولاد أو كانت فقيرة أو ليس لها أحد في البلد، فإنه يتأكد كراهة طلاقها .
وقيل : هو حرام في هذه الحال ، لما فيه من الإضرار بالزوجة من غير داع إليه .
6 - ويكون حراما وهو الطلاق في الحيض ، مثل أن يطلق من تلزمها العدة بالحيض وهي حائض، أو في طهر جامعها فيه وهي من ذوات الحيض ولم يتبين حملها، فإن تبين حملها جاز طلاقها، ولو كان قد جامعها في الطهر، كذلك إذا كانت لا تلزمها العدة كغير المدخول بها، فإن طلقها وهي حائض فالطلاق مشروع، أو كانت ممن لا تحيض، كصغيرة أو عجوز كبيرة فلا بأس أن يطلقها. ([6])


([1]) سورة البقرة الآية :(239)
([2]) سورة الطلاق الآية :(1)
([3]) أخرجه أبو داود من حديث محارب بن دثار مرسلا ، ثم ذكره من حديث ابن عمر موصولا بلفظ مقارب ، ورجح غير واحد من العلماء إرساله كما في التلخيص لابن حجر.
([4]) أخرجه أبو داود والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
([5]) أخرجه البخاري ومسلم .
([6]) قال الشيخ العثيمين رحمه الله : وظاهر كلام أهل العلم : أن الطلاق في النفاس مثل الطلاق في الحيض؛ لأنهم قالوا في باب النفاس: إنه كالحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط، إلا ما استثنوا، وهي ثلاث مسائل وليس منها الطلاق، وعندي أنه يصح أن يطلقها في النفاس؛ لأن النفاس ما يحسب من العدة، بخلاف الحيض، فهو إذا طلقها تشرع في عدتها، أما الحيض فإنها لا تشرع في عدتها مباشرة، هذا هو الفرق بينهما، والمسألة ليست إجماعية، فلو أن الإجماع ثبت بأن الطلاق في حال النفاس حرام ما وسعنا أن نخرج عنه، فالراجح أنه إذا طلقها في النفاس وقع الطلاق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق