مواضيع المدونة

أخبار العربية

السبت، 1 أكتوبر 2011

المحاضرة الثالثة من مقرر فقه 6


الشروط العامة لصحة البيع

لا يكون البيع صحيحاً حتى تتوافر فيه ستة شروط متى تخلف منها شرط فإن البيع يكون باطلا ً.
تعريف الشرط :
الشرْط بسكون الراء لغة : إلزام الشيء والتزامه , ويجمع على شروط .
والشرَط بفتح الراء معناه العلامة ويجمع على أشراط ومنه أشراط الساعة أي علاماتها .
وهو في الاصطلاح : ما يلزم من عدمه العدم , ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته .
وشروط البيع معناها : العلامات والأمارات التي نصبها الشرع للحكم بجواز البيع .

الشرط الأول : الرضا من الطرفين .
والدليل على اعتبار التراضي ما يأتي :
1- قوله تعالى: ) إِلآ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ  (  .
2- قوله r :”  إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ “  . ([1])
3- أن النظر الصحيح يقتضي ذلك ؛ لأننا لو لم نشترط التراضي لأصبح الناس يأكل بعضهم بعضاً، فكل إنسان يرغب في سلعة عند شخص يذهب إليه ويقول له: اشتريتها منك بكذا قهراً عليك، وهذا يؤدي إلى الفوضى والشغب والعداوة والبغضاء.
ثم يتم النظر في هذا الشرط وهو التراضي بذكر مسائل منها :
 المسألة الأولى: أن الاستيجاب والإيجاب هل يقع الاكتفاء به ؟ وهو قوله : بعني.وقول البائع: بعت.
فالأصل أن يتقدم الإيجاب على القبول. أما إذا تقدم القبول على الإيجاب فإنه لا يخلو من ثلاث حالات:
1- أن يكون القبول بلفظ الماضي كأن يقول المشتري: ابتعت منك أو اشتريت منك .فيقول البائع: بعتك ، أو المضارع المراد به الحال بقرينة لفظية مثل : أبيعك الآن أو قرينة حالية . كما إذا جرى العرف على استعمال المضارع بمعنى الحال ، فهذا جائز بالاتفاق ؛ لأن لفظ الإيجاب والقبول وجد منهما على وجه تحصل منه الدلالة على تراضيهما به.
2- أن يكون القبول بلفظ الاستفهام كأن يقول: أتبيعني ثوبك بكذا. فيقول البائع: بعتك فهذا لا يصح بالاتفاق ؛ لأنها سؤال الإيجاب والقبول وليست إيجاباً ولا قبولاً. 
3- أن يكون القبول بلفظ الطلب كأن يقول : بعني _ وهي مسألتنا _ بشرط أن لا يقول المشتري بعد ذلك:اشتريت أو قبلت.
قال النووي: إن قال بعده: اشتريت أو قبلت. انعقد البيع بلا خلاف.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول :
ينعقد وهو قول المالكية والأصح عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة.
تعليل أصحاب هذا القول :
لأن المقصود من المقاولة ظهور الرضا، وقد حصل به كما في النكاح ([2]).
القول الثاني :
أنه لا ينعقد ما لم يقل: اشتريت . وهو قول الحنفية وقول للشافعية ورواية عند الحنابلة وقول المزني من
الشافعية .
تعليل أصحاب هذا القول :
1- أن قوله:بعني. ربما يكون استبانة لرغبة البائع، ثم نظر المشتري ورغبته تقـع بعده بخلاف النكاح،
فإنه في الغالب يجري بعد التروي التام.
2- أنه لو تأخر عن الإيجاب لم يصح به البيع فلم يصح إذا تقدم كلفظ الاستفهام .
سبب الخلاف:
منشأ هذا النزاع إذاً ظهور الرضا وعدمه .
القول الراجح:
القول الراجح والله تعالى أعلم هو القول الأول .
المسألة الثانية: حكم بيع المعاطاة.
التعاطي لغة : مصدر تَعَاطَى , بمعنى : تناول الإنسان الشيء بيده , مِنْ الْعَطْوِ , وهو بمعنى التناول . قال الله تعالى ) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (  قيل في تفسيرها : أنه تناول آلَةَ الْعَقْرِ .
المعاطاة : أن يأخذ المشتري المبيع ويدفع للبائع الثمن , أو يدفع البائع المبيع فيدفع له الآخر الثمن , من غير تكلم ولا إشارة . ويكون التعاطي من الطرفين أو من أحدهما ويكون في البيع وغيره من المعاوضات
فهل يصح بيع بالتعاطي ؟
اختلف العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أنه يصح وهو قول الحنفية والمالكية وقول لبعض الشافعية والمذهب عند الحنابلة.
تعليل أصحاب هذا القول :
1- أن البيع مما تعم به البلوى فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه r بياناً عاماً , ولم يخف حكمه ; لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيراً وأكلهم المال بالباطل .
2- أن الشرع ورد بالبيع وعلق عليه أحكاماً ولم يعين له لفظاً فعلم أنه ردهم إلى ما تعارفوه بينهم بيعاً والناس في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك كما ردهم إلى العرف في القبض والإحراز والتفرق.
القول الثاني:
أنه يصح في الأشياء اليسيرة دون الكثيرة وهو قول الكرخي من الحنفية والقاضي أبي يعلى من الحنابلة .
تعليل أصحاب هذا القول :
أن العرف إنما جرى في اليسير .
القول الثالث:
أنه لا يصح وهو المذهب عند الشافعية .
تعليل أصحاب هذا القول :
1- أن الإعراب عمّا في الضمير من الرضا بالتمليك والتملك لا يتبين إلا بالإيجاب والقبول.
2- لا يصح البيع بالأفعال كما لا يصح النكاح بالأفعال.
القول الراجح:
القول الراجح والله تعالى أعلم هو القول الأول .
لأن الفعل يدل على الرضا كما دل عليه القول.
أما قياسهم على النكاح فهو قياس مع الفارق فالنكاح لا يوجد فيه خيار مجلس.
وقيد النكاح بالقول حتى يفرق بين النكاح والسفاح.
ويجري هذا الخلاف في الإجارة وغيرها من العقود .
المسألة الثالثة: حكم بيع المكره.
والإكراه لغة : حمل الإنسان على شيء يكرهه , يقال : أكرهت فلاناً إكراهاً : حملته على أمر يكرهه . أما الإكراه في اصطلاح الفقهاء فهو : فعل يفعله المرء بغيره , فينتفي به رضاه , أو يفسد به اختياره .
والمكره هو الملجأ إلى البيع، أي: المغصوب على البيع، فلا يصح من المكره إلا بحق، فلو أن سلطاناً جائراً أرغم شخصاً على أن يبيع هذه السلعة لفلان فباعها، فإن البيع لا يصح، ولا يترتب عليه أي أثر ؛ لأنه صدر عن غير تراضٍ، وكذا إذا أكره على الشراء .
ومثل ذلك ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً وخجلاً، فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه ما دمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك، ولهذا قال العلماء ـ رحمهم الله ـ: يحرم قبول هدية إذا علم أن الرجل أهداها له على سبيل الحياء والخجل؛ لأن هذا وإن لم يصرح بأنه غير راضٍ، لكن دلالة الحال على أنه غير راضٍ.
وقال الكساني من الحنفية : فلا يصح بيع المكره إذا باع مكرهاً وسلم مكرهاً ; لعدم الرضا , فأما إذا باع مكرهاً وسلم طائعاً فالبيع صحيح .
حكم البيع الجبري :
البيع الجبري هو : البيع الحاصل من مكره بحق , أو البيع عليه نيابة عنه , لإيفاء حق وجب عليه , أو لدفع ضرر , أو تحقيق مصلحة عامة .ويسميه بعض الفقهاء الإكراه بحق .
يختلف حكم البيع الجبري باختلاف سببه , فإن كان لإيفاء حق , كبيع ماله لإيفاء دين حال , وبطلب صاحب الحق فهو واجب , وكذا إذا كان لمصلحة عامة , كتوسعة المسجد الذي ضاق على المصلين , أو الطريق العام .
حكم بيع التَّلْجِئَةِ :
بيع التلجئة في اصطلاح الفقهاء : أن يظهرا عقداً وهما لا يريدانه ، يلجأ إليه صاحب المال خوفاً من عدو أو سلطان جائر، فيتم العقد مستوفياً أركانه وشرائطه.
وقد سُمّى هذا البيع تلجئةً - من الإلجاء الذي يعنى الإكراه والاضطرار- لأَنّ الذي يباشره إنما ينشئُه لضرورة، فيصير كالمدفوع إليه . ويسمى الشافعية هذا العقد: بيع الأمانة .
فالفرق بينه وبين البيع الجبري أن بيع التلجئة فيه صورة البيع لا حقيقته .
اختلف العلماء في حكمه على قولين .
القول الأول:
أنه عقد باطل غير صحيح وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة.
تعليل أصحاب هذا القول :
1- أن العاقدين ما قصدا البيع،فشرط الرضا غير متحقق في هذه المبايعة، فلم يصح منهما كالهازلين.
2-  أن العبرة في العقود بالمعاني و المقاصد لا بالألفاظ، بدليل أن الشارع نهى عن الحيل المحرمة مع أن ظاهرها الجواز، لأن المقصود منها التحايل على المحرم .
القول الثاني:
أنه بيع صحيح وهو رواية عن أبي حنيفة وقول الشافعية .
تعليل أصحاب هذا القول :
1- أن البيع تم بأركانه وشروطه .
2- أنه لا عبرة بما اتفقا عليه في السر , وإنما العبرة بالعقد الذي أظهراه , ولأن ما شرطاه في السر لم يذكراه في العقد
القول الراجح:
القول الراجح والله تعالى أعلم هو القول الأول .
فائدة : الشافعية رحمهم الله في عموم مسائل العقود يغلبون الظاهر على الباطن ، أي يجعلون العبرة بما تلفظ به العاقدان لا بما قصداه، و لهذا أجازوا العينة، واشترطوا أن يكون البيع بصيغة قولية كما سبق .


([1]) رواه ابن ماجه وابن حبان وصححه الألباني.
([2]) لأن في النكاح إذا قال : زوجني فإنه يصح لأنه توكيل بالزواج فيكون المزوج ولياً عن طرف ووكيلاً عن الطرف الآخر . 

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    فضيلة الشيخ هل يمكن طرح الأسئلة على المحاضرة من قبل الطلاب

    ردحذف